لم يعد هناك جدوى من الانتظار أكثر من ذلك، في ظل ارتفاع وتيرة التهديدات الإرهابية، للأمن والسلم الدوليين، وللمصالح الروسية، بعد أن فشل التحالف في تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع لوقف خطر التنظيمات المتطرفة، والتي باتت تسيطر على مناطق شاسعة امتداداً من سوريا والعراق إلى شمال أفريقيا، فضلاً عن استمرار توافد عناصر جديدة من مناطق مختلفة من العالم، إلى جانب ممارسات التنظيم التي ساهمت بشكل كبير في دفع الملايين للنزوح واللجوء، خاصة الأقليات العرقية والدينية.
لم يعد مقبولا السماح بانهيار سوريا، وتكرار سيناريو ليبيا بالقرب من الحدود الجنوبية لروسيا، فبحكم التوازن الاستراتيجي والمصالح المشتركة، وعلاقات الصداقة التاريخية والارتباط الوثيق ثقافياً واجتماعياً بين الشعبين الروسي والعربي، وبحكم الدور المنوط إلى موسكو في حفظ الأمن والسلم الدوليين، يأتي التحرك الروسي سياسياً وعسكرياً.
ويستمر التحرك العسكري الروسي في إطار استراتيجية واضحة ومحددة الأهداف في ضرب أماكن تمركز الجماعات الإرهابية، ومن شأنه إعادة ترتيب عناصر المعادلة السياسية في سوريا والشرق الأوسط، بل والعالم بأكمله، ويضع حداً للعبث بمصائر الشعوب التي تكتشف الخديعة الكبرى التي تتعرض لها بحجة العمل الثوري، وبعد أن بات واضحاً أن الهدف هو بث الفوضى والعنف والإرهاب وتقسيم المنطقة إلى شرق أوسط جديد أو كبير على أساس طائفي.
وتأتي ضربات سلاح الجو الروسي، مدعومة بجهود سياسية مع كافة الأطراف المعنية، لتجنب تداعيات التدخلات الخارجية في خيارات الشعب السوري، وإصلاح ما أفسدته السياسة الأمريكية بالتعاون مع حلفائها بالمنطقة، من خلال الدعم المقدم من مال وسلاح وتوفير معسكرات تدريب، للعناصر الضالعة في صناعة الأزمة، مما بات يعرف بـ "المعارضة السورية المعتدلة" أو الجيش السوري الحر، إلى جانب عناصر التنظيمات الإرهابية التي فُتِحت أمامها كافة الطرق للوصول إلى سوريا والعراق، وبث سمومها في المنطقة.
لا يمكن أن نتجاهل كلمة نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، بجامعة هارفارد، في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2014، التي اتهم فيها حلفاء واشنطن بدعم الإرهاب وتمويل الجماعات المتشددة في سوريا، حيث قال في كلمته حول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط "مشكلتنا الكبرى كانت حلفاؤنا في المنطقة، الأتراك أصدقاء كبار لنا وكذلك السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها، لكن همهم الوحيد كان إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، لذلك شنوا حربا بالوكالة بين السنة والشيعة وقدموا مئات الملايين من الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة إلى كل الذين يقبلون بمقاتلة الأسد".
