تسجيل مصور نشر على الإنترنت، لا تتجاوز مدته دقيقة واحدة، كان كافياً لإحداث صدمة في المجتمع السعودي، فالتسجيل يوثق عملية سحل فتاة سعودية، على أيدي عناصر مما يسمى بـ"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وتعرض الفتاة لضرب مبرح وهي ملقاة على الأرض أمام "مجمع النخيل مول" في الرياض، بحضور عدد كبير من المواطنين السعوديين راحوا دون جدوى يتوسلون عناصر "الهيئة" ترك الفتاة.
استنكار واسع على #هيئة_الأمر_بالمعروف بعد اعتقال موظفيها "دمية"، مطالبين بضبطهم كي لايتعاملوا بشراسة.
— أخبار عاجلة (@News_Brk24) 7 февраля 2016
شهود عيان أكدوا أن الفتاة المعتدى عليها كانت برفقة فتاة أخرى، وحصل حادث الاعتداء عندما خرجت الفتاتان من "مجمع النخيل مول" وأوقفتا سيارة أجرة للمغادرة، لكن عناصر من "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" حاولوا اعتقالهما، بذريعة أن شباباً كانوا يتحرشون بهما، فتمكنت إحدى الفتاتين من الهرب، بينما وقعت الثانية في قبضة عنصر من عناصر "الهيئة"، قام بتعنيفها وضربها وسحلها، وساعده في التنكيل بها أحد الشبان الذين كانوا يتحرشون بها، يقال إن "الهيئة" اعتقلته لاحقاً، بينما استطاع أحد المواطنين السعوديين، الذين شاهدوا الواقعة، مساعدة الفتاة على التخلص من قبضة عناصر "الهيئة" والهرب.
فيديو..
— أخبار السعودية (@SaudiNews50) 7 февраля 2016
هيئة الرياض تُحقق بفيديو تعرض فتاة للضرب ، وتتوعد بالمحاسبة.#فتاة_النخيل_مول #السعودية #الرياض
— pic.twitter.com/oBVbGq1Gme
للأسف جرت العادة على أن الكثير من حوادث التعنيف، وحتى الضرب والسحل، ضد نساء في السعودية يتم تجاهلها، وخاصة عندما تكون المعتدى عليها من المقيمات، وكان للسعوديات على الدوام نصيبهن من ممارسات عناصر "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، لكن لم يكن يسمح بالحديث عن تجاوزات عناصر "الهيئة"، التي كانت تثير الرعب في نفوس السعوديين، رجالاً ونساء. ولذلك، فإن تداول التسجيل المصور الذي تسحل فيه الفتاة السعودية، والضجة الكبيرة التي أثارها هذا التسجيل في الأوساط الاجتماعية السعودية، يعتبر سابقة من نوعها، ستجبر السلطات السعودية على مراجعة دور "الهيئة" ومحاسبة المسيئين من عناصرها.
آلاف المواطنين السعوديين عبروا على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي عن سخطهم على ممارسات عناصر "الهيئة"، بإطلاق وسم "هيئة الرياض تسحل فتاة"، وهذا مؤشر لا تستطيع السلطات السعودية تجاهله، وسيكون من الخطأ محاولة تمريره دون اتخاذ ما يلزم من إجراءات، لا يكفي فيها محاسبة العناصر التي ارتكبت جريمة سحل الفتاة في الرياض، بل يجب مراجعة دور وعمل "الهيئة " ككل، حيث لم يعد ما يبرر وجودها، وحادثة سحل الفتاة تؤكد أن ضرر وجود "الهيئة" أكثر بكثير من منافعها، بافتراض أن لها منافع.
الواقعة المذكورة تبيِّن أن عناصر "الهيئة" يتصرفون باعتبارهم "فوق القانون"، مما يجعلهم يبيحون لأنفسهم الاعتداء على مواطنين في الشارع وسحلهم، حتى عندما يكون من المفترض أن يقوم عناصر "الهيئة" بمساعدة أولئك المواطنين، فقد كان من واجب عناصر "الهيئة" مساعدة الفتاتين اللتين تعرضتا للتحرش أمام "مجمع النخيل مول"، وليس محاولة القبض عليهما، وسحل وضرب إحداهما في الشارع.
ويتداول السعوديون منذ سنوات وقائع على تجاوزات عناصر "الهيئة"، وصلت إلى إنشاء أماكن اعتقال في مقرات "الهيئة، وهو ما اضطر السلطات السعودية قبل سنوات إلى توجيه تحذير شديد اللهجة لعناصر "الهيئة"، وتهديدهم بحملات تفتيش مفاجئة لمقراتهم، غير أن التجاوزات بقيت موجودة.
بالمقابل يلاحظ أن تعليقات المواطنين السعوديين على مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت جريئة في نقدها لـ"الهيئة"، ولا يتردد كثير منهم في توجيه سخرية لاذعة لسلوك عناصرها المثير للاستغراب في كثير من الأحيان، ومنها إقدامهم على اعتقال دمية، خلال حفل افتتاح أحد المحلات التجارية بمدينة الخرج، بدعوى أن الدمية كانت سافرة وتقوم بحركات غير أخلاقية تخدش الحياء العام، بينما لا يرى عناصر من "الهيئة" بأن سحل مواطنة في الشارع وضربها ضرباً مبرحاً فعلاً همجياً إجرامياً، يدوس القيم الإنسانية، ويضرب بأبسط حقوق الإنسان عرض الحائط.
ولا أملك سوى أن أضم صوتي إلى أصوات من أدانوا الجريمة البشعة بحق الفتاة السعودية، التي سحلت أمام "مجمع النخيل مول"، وأن أقف إلى جانب من يطالبون بمحاسبة المسؤولين عنها، وتخليص المواطنين السعوديين من سطوة "الهيئة" وتجاوزات عناصرها.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)