تتضارب التقديرات الإسرائيلية حول مجريات ونتائج الحرب الأخيرة على قطاع غزة، في الذكرى الثانية لها، فعلى الصعيد الرسمي الإسرائيلي مازالت المستويات الرسمية الإسرائيلية، السياسية والعسكرية، تسوِّق لإدعاء الانتصار في الحرب، وأن من نتائجها "وضع إسرائيل الأمني تحسن كثيراً"، على حد قول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وهو ما تركز عليه أيضاً تصريحات العديد من القادة العسكريين الإسرائيليين، في تعارض مع آراء الخبراء والمحللين العسكريين في تل أبيب.
أسفرت هذه الحرب بالأرقام، عن مقتل 2139 مدنياً فلسطينياً في قطاع غزة، بينهم 579 طفلاً و263 امرأة و102 من المسنين. وعدد الجرحى 11128، منهم 3374 طفلا و2088 سيدة و410 مسنين. وارتكب الجيش الإسرائيلي 49 مجزرة بحق تسعين عائلة فلسطينية بواقع 530 ضحية، ووفقاً لتقرير صادر عن "المركز الفلسطيني للإعلام"، دمر الجيش الإسرائيلي 2358 منزلاً بشكل كلي، و13644 بشكل جزئي، بحيث باتت تلك المنازل لا تصلح للسكن، فضلاً عن تدمير ستين مسجداً بشكل كلي و109 بشكل جزئي، كما دمر برجين سكنيين وبرجين تجاريين كانت تضم مكاتب للصحافيين. وبلغ عدد المشردين قبيل لحظات من إعلان وقف إطلاق النار 466 ألف مواطن في كافة أنحاء القطاع، موزعين على مختلف المدارس وبعض الأماكن التي كانت تؤوي العائلات.
وبلغت التقديرات الأولية للخسائر الاقتصادية أكثر من ثلاثة مليارات ونصف مليار دولار، حيث تم تدمير 134 مصنعاً بشكل كامل، ما تسبب بتسريح ثلاثين ألف عامل. وبالإجمال هاجم جيش الاحتلال 5263 هدفاً في قطاع غزة.
الكاتب إيتان هابر، الذي عمل في تسعينيات القرن الماضي في منصب مدير عام ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، شكك في الإدعاء الرسمي الإسرائيلي حول (الانتصار) في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، وساق في مقالة نشرها في صحيفة "يديعوت أحرانوت"، بتاريخ 27/7/2016، مجموعة من الإخفاقات التي تتستر عليها حكومة نتنياهو ورئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، من بينها عدم اكتشاف الأنفاق التي شكلت مفاجأة كبيرة في الحرب البرية وأثرت على سياقها، وكانت على حد وصفه، دليلاً على أن المقاتلين الفلسطينيين تعلموا من دروس الحروب الماضية، وأضاف حرفياً: "وقرروا مفاجأتنا في القتال بمستوى غير اعتيادي وأصعب بكثير، ومن المستحيل تقريباً إلحاق الهزيمة به".
وأردف هابر: "لكن الأنفاق هي جزء فقط من قصة العملية، التي نحيي اليوم عامين على حدوثها، القصة الكبرى هي علاقة المجتمع الإسرائيلي بالحرب، لقد عودنا السياسيون وقادة الجيش طوال سنوات على انتصارات ساحقة، حتى عندما تكون الصورة على الأرض مختلفة قليلاً، ونحن صفقنا لهم وصرخنا من الشرفات، نريد المزيد.. عندنا إذا لم ننتصر نعتبر الحرب عملية عسكرية، لو انتصرنا تختلف الصورة، وهكذا نحن ننتقل في العقود الأخيرة من عملية عسكرية إلى أخرى.. وللأسف الشديد سيكون هناك المزيد من العمليات العسكرية..الشعب الإسرائيلي يريد انتصاراً مطلقاً واضحاً ونهائياً، وما يلي هو الأخبار السيئة: على ما يبدو لن تكون هناك حروب من هذا النوع، ولا يوجد على الرف حرب تنهي جميع الحروب، إلا إذا كانت حرباً نووية، لذلك لم تكن لدينا فرصة للانتصار..".
لقد كان هابر جريئاً في قوله الحقيقة إزاء نتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، لكنه لم يصل في جرأته إلى حد دعوة الإسرائيليين للإقلاع عن المراهنة على الحروب والمزيد من القتل والتدمير، فقد ولى إلى غير رجعة زمن الحروف الخاطفة، ولن يكون هناك سلام واستقرار دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الثابتة والمشروعة، من خلال تسوية شاملة ومتوازنة للصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي.