يعني قد يكون أو لا يكون مرضا بالمعنى الحرفي للكلمة، وقد يكون كل ما حكي عنه صحيح، أو يقبل الشك المتقن المبني على المنطق. في حقيقة الأمر، من الصعب تحديد الصواب من عدمه في الحديث عنه لكثرة اتجاهات التفسير بين علمي وغير علمي بيولوجي مصطنع أم طفرة من الطبيعة وإلى ما هنالك، وقد يكون هذا الفيروس بالفعل، بغض النظر عن منشأه، حمالة حرب إعادة توازنات العالم على الأرجح متفق عليها على الأقل بين عدة أطراف، ولكن بين من ومن؟ حتى اللحظة لا يمكن لأحد أن يتكهن أو يثبت وجهة نظره بهذا الشأن.
في هذه المعمعة قد تكون سورية بالفعل مستفيدة مما يجري، كونها في قلب إحدى محارق العالم وما زالت تتنفس وتقاوم. ومن المنطق من جهة أخرى، عدم القلق بشكل يفوق الحد عليها خاصة أنها قوية بشعبها وقوية بإيمانها الجمعي الذي كلف أثماناً باهظة من حياة ودم وقوت الشعب السوري وبوجود قائد كالرئيس بشار الأسد تعجز عن تحليل ما يفكر به وكيف يتعاطى بدقة مع ضمان النتيجة رغم كل الضغوط الهائلة التي تمارس على شعبه وبلده.
عدا عن ذلك، سوريا تملك حلفاء مخلصين أكبرهم إقليميا الإيراني، وأعظمهم دولياً الروسي، الذي يغطيها بجناحيه بغض النظر عن أي جوانب أخرى قابلة للنقاش لكن ليس الآن، يعني سوريا رغم البعد الجيوسياسي باتت جزءاً من الجسد الروسي ولن يقترب أحد منها أكثر مما هو عليه الحال حاليا رغم الاستفزازات التي تحصل بين الفينة والأخرى.
سوريا أحد مراكز الثقل في العالم الجديد القديم ومسند ظهر الصيني والروسي في هيكل التوازنات الإقليمية والعالمية الجديدة ومعهما كل التكتلات الناشئة، التي سئمت التعاطي الأمريكي والتعدي السافر على مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية ولو بشكل غير معلن معظم الأحيان. الصين في الحقيقة أرادت تركيع الولايات المتحدة أما كيف؟ هذا ما سنراها في وقت قريب، ولماذا؟ فهو مفهوم جداً، خاصة في فترة التناحر الأمريكي الصيني الأخيرة وتبادل الإجراءات والتهديدات بعقاب كل طرف للآخر رداً على سوء أو احتمال سوء التقدير في المعاملة بينهما في كافة المجالات، الصين نجحت إلى حد كبير في وضع الأمريكي في خانة "اليك" لكنها فرملت تقدمها لإعادة الإقلاع المتفق عليه أو سيتفق عليه للضرورة، ومن هنا شهدنا عمليات التجييش ضد الصين من قبل الولايات المتحدة كنوع من الحرب الاستباقية عليها واتهامها وتحميلها مسؤولية انتشار فيروس كورونا ومطالبتها بتعويضات تصل قيمتها إلى 3,9 تريليون دولار!، إذا هناك مواجهة عنيفة بين الغرب والصين، القطب المرشح الأول لصدارة العالم الجديد لعله بدعم روسي مبني على المصالح التي تعطي كل ذي حق حقه في هذا العالم الذي استفردت به الولايات المتحدة وغربها لعقود طويلة، وروسيا والصين لم يسعيا تاريخياً للتفرد بهذا العالم بل للتشاركية فيه، وهذا قد يستغرق سنة أو سنتان حسب بعض الخبراء وعلى الأغلب أكثر من سنة لإعادة استكمال الصورة والتوازنات الدولية التي تحقق فعلياً الاستقرار الاستراتيجي العالمي، وسوريا كما قلنا بطبيعة الحال ستستفيد من صعود حلفائها كونها شكلت في مرحلة متقدمة من الصراع العالمي المخفي مسنداً للنهوض ومرتكزا للصعود على المستوى العالمي.
الذي يحصل، أو حصل، على ما يبدو أن القوى الدولية الصاعدة والتي كانت أصلا راضية أو مكرهة بكنف ما يسمى بالدولة "العميقة" استطاعت أن توحد قواها وتسيطر على بعض مفاصل التحكم في هذه الدولة "العميقة"، والتحكم بها الى حد يسمح لهم بالمناورة عن بعد كون صار داخلها خلافات على طرق التعاطي وتقاسم السيادة والمصالح، وهنا نرى أن القطبين الروسي والصيني ومن معهم التقطوا خطاف السفينة وشدوا به في الاتجاه الآخر فصار المصير بيدهم إلى حد على الأقل إذا أرادوا يمكنهم من فرط عقد "المعبد" أو يقدرون على إحداث اهتزاز في عرشه، ونعود للقول أن وسورية وصمود سورية لعب دوراً هائلا في تقوية عضدهم، لذلك نقول أن سورية إحدى ركائز التوازن العالمي القادم، الذي بطبيعة الحال لن تبدأ بوادر تكونه إلا في خلال سنة أو سنة ونصف على أقل تقدير وقد تمتد أكثر نظراً للأوضاع الداخلية لدول كل طرف من طرفي النزاع على حدى التي لا بد من اتمامها وأغلب الظن الجميع سيعطي الفرصة للآخر كي يتجاوزها.
ما سيحدث بكل تأكيد سيجبر العالم على التأقلم مع الإنقلابات الجديدة كمرحلة تشبه تماماً مرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية ومانتج عنها من منظمات ومؤسسات دولية راهنة من أمم متحدة ومجلس الأمن والبنك الدولي والمحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المنظمات التابعة والمستقلة والتي كانت وظيفتها تركيع العالم بأشكال وأدوات مختلفة للسيطرة على كل مقدرات العالم ونتاجه من أجل ضمان السيطرة والهيمنة الكلية، زد على ذلك محاولات التصدر في زعامة العالم الإسلامي ودخول دول جديدة تعتبر أنه من حقها عضوية دائمة في مجلس الأمن وهذا يظهر تماماً في برامج وكتابات ومقالات أشهر المؤسسات الإعلامية والإعلاميين والمفكرين والسياسيين السابقين والحاليين وكيفية تعاطيهم مع تحليل الأحداث الراهنة.
بالعودة إلى الموضوع السوري، والذي يعتبر أحد أهم قضايا الخلاف العالمي لأسباب كثيرة منها ما يتعلق بالكيان الصهيوني وبعملية توزيع الهيمنة الجيوسياسية والاقتصادية الإقليمية والعالمية في أغنى منطقة في العالم وأكثرها اهتزازاً مفتعلاً، نرى تغيراً في التقييم والتعاطي مع بعض القوى الانفصالية كـ "قوات سورية الديمقراطية" من جهة، والمسلحين على مختلف مسمياتهم من جهة ثانية، تقع في دائرة الامتحان النهائي لجهة السيطرة والتحكم بها، لذا يسعى الأمريكي إلى تغيير وجهها أو تخفيف الحمل عليها وتطمين التركي أو سحب ذرائع قلقه وتحركاته غير الشرعية على الأرض السورية من خلال تشكيل جيش جديد في منطقة شرق الفرات وإعادة تدوير تنظيم داعش الإرهابي في البادية السورية زد عليه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة مؤخراً بالتزامن بالوقت ومكان الأهداف،يوازيه تحرك روسي بإتجاه البحر المتوسط ، بالمقابل يسعى التركي وعلى عجل إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية في وقت لا مفر له من المشاركة أو الاعتراف على أقل تقدير بوجود الإرهابيين في إدلب وما حوله في منطقة الإتفاق الملحق التي يعيقون فيها تطبيق الإتفاق الروسي التركي في جنوب طريق "ام 4" الدولي ويبقى التركي مبيت لنية غامضة في سعيه لعقد إجتماع ثلاثي "روسي إيراني تركي" لقطع الطريق على إجتماع روسي سوري إيراني مزمع لتحريك موضوع اللجنة الدستورية مع قرب الانتخابات الرئاسية في سورية وتشتت المعارضة السياسية خاصة في الخارج، في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني العمل على كسب ماتستطيع من خلال صيادي القطعة وحلفاء الضرورة بأن يضغطوا على روسيا وإيران في سورية لتغيير ذلك لصالحهم لكنهم سيفشلون.
نحن نمر بأخطر وأدق مرحلة من عمر الحرب على سوريا فيها ما يكفي من الفساد والحصار ما يعطي الفرصة للنخر بالدولة ويجعله حاملا مليئاً بالأشواك لأصحاب القلم والكلمة والمراكز عند الحلفاء والأعداء حد السواء للضغط على الدولة السورية لتغيير أسلوب التعاطي مع مصالح الأطراف الأخرى على جزء من حسابها إن لم يكن جله.
بدأت هذه المرحلة منذ فترة وجيزة لم ينتبه إليها الكثيرون حتى اللحظة،بدأت من شبابك صديقة وبأقلام رشيقة وعتيقة في وهرة التخبط الكوروني المحلي والدولي الحاصلة هي تستهدف تغيير وجهة نظرة مكان إنطلاق التقييمات وتظهيرها قبل المقصود بها أصلاً وجلها معجونة بحروف حق يراد بها أكثر من باطل الذي شهدناه بداية الحرب على سورية لسبب أو لآخر.
نحن لا نحتاج لمخرج حتى اللحظة بل نحن نحتاج إلى فكر وتخطيط وتنفيذ وإستشعار عن بعد يحتوي مخرجات المرحلة القاسية الحالية لقطع الطريق على لف الحبال على عنقنا بحجج إجتماعية وسياسية وإقتصادية وحتى عسكرية هي بالحقيقة موجودة لكن ليس كما يتم تصويرها حاليا بوسائل إعلام بعض الأصدقاء وكل الأعداء البعيدون كل البعد عن الموقف الرسمي والأمر سيتطور أكثر خلال المرحلة القادمة ليشكل عامل ضغط أكثر من قاسي على الدولة والشعب.
الحق يقال كم الفساد الهائل والعفن الفاضح في كثير من المؤسسات والمكشوف دون أن يتخذ أحد إجراءات لازمة وكافية لدرء سلبياته أو يغطيه أحد على الأقل كي لا يجتمع عليه الذباب والقوارض ما ساعد ربما وسيساعد بشكل هائل على قطع هؤلاء شوطاً كبيراً في تحقيق مبتغاهم سواء هم يتصرفون بالتعاطي مع مستجدات الأوضاع في سوريا من تلقاء أنفسهم أم بزن من شياطين القمم هنا وهناك .
في العموم وفي هذا الإطار تأتي التحركات الإيرانية تجاه سوريا وزيارة وزير الخارجية محمد جواد ظريف في هذه الظروف القاسية إلى سوريا ولقائه الأسد تدل على دقة المرحلة وأهمية التصويب المشترك لما هو آت كون إيران إحدى معوقات التوافق في سورية على الأقل من وجهة نظر الأمريكي وربيبه الإسرائيلي ومفهوم بالطبع الهدف من ذلك.
بالمحصلة العالم يتجه أو اتجه إتجاهات غير محسوبة وغير مضبوطة نتيجة التعنت المفرط ولن يقود هذا التخبط إلا إلى مواجهة لكن الزمان والمكان يبقى قيد الكتمان فيما لو صدقت التكهنات المبينة على الظاهر ...والأشهر القريبة القادمة كفيلة بإيضاح كل ماينتظر العالم من انقلابات لابد من التحكم بها رغم كل الخلافات الحاصلة لمنع الذهاب إلى المجهول،لكن جميع المعطيات تدل على أن روسيا والصين لن يسمحا بذهاب العالم إلى أي منحدر.
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)