أطلق رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، تحذيراً من أن تنظيم (داعش) تمكن من التسلل إلى صفوف المجتمع في إقليم كردستان، وخاصة في أوساط الشباب، ولفت بارزاني إلى أن (داعش) استطاع أيضاً التغلغل في العديد من المجتمعات، بما فيها المجتمعات الغربية، ويقوم بغسل أدمغة الشباب، وتمثل خلاياه السرية النائمة خطورة كبيرة من حيث نشر الأفكار المتطرفة، والمعادية للعدالة وحرية الإنسان، وهو ما يتطلب، وفقاً لما قاله بارزاني في معرض كلمته له بمناسبة انطلاق فعاليات "مناهضة العنف ضد المرأة في التعليم"، أن ينهض علماء الدين الإسلامي بدورهم لاقتلاع فكر (داعش) المتطرف، وحماية الشباب من تأثيراته.
يُحسب لرئيس حكومة إقليم كردستان العراق التعامل بشفافية وعلنية مع قضية غاية في الخطورة، بينما يحاول آخرون، في موقع المسؤولية في بلدان عربية وإسلامية، التستر على الاختراقات التي استطاعت (داعش) أن تحققها في بلدانهم والعديد من البلدان الأخرى، وليس من قبيل المبالغة أن اختراق أفكار (داعش) لبعض المجتمعات بات يشكِّل قنبلة موقوتة، يمكن أن تنفجر في أي لحظة، ورغم ذلك مازالت غالبية الدول المتضررة والمستهدفة تتردد في توحيد جهودها وإمكانياتها، قولاً وفعلاً، في مواجهة هذا التنظيم المتطرف والتنظيمات والجماعات التي تلتقي معه في أفكاره وممارساته، أو تتساوق معه وتدعمه في شكل أو آخر.
وخطر (داعش) في العديد من الدول لم يعد يقتصر على خطر غسل أدمغة الشباب ودفعهم نحو التطرف والإرهاب، فكل الدول العربية تقريباً، والعديد من الدول الإسلامية والأفريقية الأوروبية الغربية، كانت هدفاً لأعمال إرهابية، حيث استهدفت السعودية واليمن وتونس وليبيا والكويت ومصر ولبنان بأعمال إرهابية تبناها تنظيم (داعش)، أو مجموعات تدور في فلكه وفلك تنظيم (القاعدة)، كما طالت الأعمال الإرهابية فرنسا وبلجيكا والدنمرك ونيجيريا وتشاد وكينيا ومالي وأفغانستان باكستان.. الخ، ناهيك عن جرائم المروعة في سورية والعراق.
بالإضافة إلى ما سبق تم الإعلان عن إحباط عمليات إرهابية كانت مجموعات تابعة لـ(داعش) تنوي القيام بها، غير أن إحباط العمليات، أو مطاردة المجموعات التي تخطط أو تنفذ عمليات إرهابية، ومحاربة (داعش) في سورية والعراق لا يكفي للقضاء على هذا التنظيم الإرهابي، حتى لو تم دحره على الأراضي السورية والعراقية، فإذا لم يتم محاصرة الفكر المتطرف، وتخليص المجتمعات منه، ستبقى المعركة مفتوحة مع الإرهاب والتطرف، ولن تتردد الجماعات الإرهابية المتطرفة في استغلال أي ثغرة في المستقبل لإعادة تنظيم صفوفها، وتجميع قواها في تكرار لما وقع في سورية والعراق واليمن وليبيا.
ولهذا إن مكافحة الفكر المتطرف جزء رئيسي وهام من المعركة ضد إرهاب (داعش) و(القاعدة) ومن لف لفَّهم، وتتطلب إطلاق خطاب ديني تنويري معتدل، ينطلق من قبول الآخر وتشريع حق الاختلاف تحت سقف احترام القيم الإنسانية، جنباً إلى جنب مع إطلاق الحريات والعمل بمبادئ الديمقراطية، لأن غياب الحرية والديمقراطية هي البيئة الخصبة لانتشار التطرف والإرهاب، ولا ينطبق هذا القانون على البلدان العربية والإسلامية دون غيرها، بل على كل البلدان، وانتشار التطرف في بعض البلدان الديمقراطية الغربية، من قبل جماعات عنصرية، دليل على مخاطر عدم قبول الآخر واحترام معتقداته، على العكس من القيم الإنسانية الداعية إلى النظر إلى الآخر من منظار أنه المكمَّل لـ"الأنا"، التي لا يمكن أن تكتمل دون التفاعل والتعاون الإنساني مع الآخر.
إلا أنه، وللأسف؛ مازال توحيد الجهود الدولية والإقليمية دون المستوى المطلوب، مما يتيح للتنظيمات والجماعات المتطرفة اللعب على التناقضات، وتقوية وجودها المسلح وبث أفكارها لتسميم عقول الشباب والتغرير بهم لارتكاب أفعال إجرامية لا يقرها معتقد ديني أو منطق إنساني سليم.
ومع ثنائنا على صراحة رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، في إقراره بأن تنظيم (داعش) استطاع أن يخترق عقول أوساط من الشباب في الإقليم، نرجو أن يحث ذلك آخرين على المصارحة، كنقطة انطلاق نحو توحيد الجهود العربية والإسلامية والدولية في مواجهة التنظيمات الإرهابية المسلحة والفكر المتطرف.
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)
