الرئيس باراك أوباما هو الرئيس الأميركي الأول من ذوي البشرة السمراء، وكان انتخابه عام 2008 نقلة كبيرة في تاريخ النظام السياسي الأميركي، رأى فيها كثيرون كسر احتكار ذوي البشرة البيضاء للمكتب البيضاوي، وقبلها تم الاحتفاء بتعيين كولن باول وزيراً للخارجية، لأنه أول أميركي من أصول أفريقية يتولى المنصب، بينما كانت كونداليزا رايس أول امرأة سوداء تتولى مهمة مستشارة الأمن القومي الأميركي، في عهد إدارة بوش الابن، غير أن الحياة العامة الأميركية مازالت تحفل بمظاهر تدل على أن الممارسات العنصرية تحكم ذهنية وعمل القائمين على العديد من المؤسسات والدوائر المهمة، في مجال الثقافة والفن والمجتمع، ومنها أكاديمية "الأوسكار" (أكاديمية الفنون وعلوم الصور المتحركة)، التي تمنح سنوياً أرفع الجوائز الفنية في الولايات المتحدة، وتعتبر أهم جائزة واحتفالية سنوية سينمائية في العالم.
ردة فعل المبدعين من ذوي البشرة السمراء تمثلت في دعوة المخرج السينمائى سبايك لى لمقاطعة حفل "الأوسكار 2016"، وكذلك النجم ويل سميث وزوجته جادا بينكت، وفنانين آخرين، واستطاعت هذه الدعوات اجتذاب مواقف تضامنية، على سبيل المثال لا الحصر، منها تأكيد المخرج مايكل مور وجود "أزمة في المحكمين"، وأعلن تضامنه مع النجمة جادا بينكت، إضافة إلى النجم جورج كلوني الذي أشاد بأداء الممثلين من ذوي البشرة السمراء وأقر بأن كثيرين منهم أدوا أدوارا مميزة جداً، وأضاف: "أنا عضو في الأكاديمية، إلا أنها لا تمثلني، كما أنها لا تمثل أمتنا، إن عالم صناعة السينما تراجع إلى الوراء، ويجب العمل على دفعه إلى الأمام"، هو ما أكد عليه أيضاً الممثل سيلفستر ستالوني.
والعنصرية في ترشيحات "الأوسكار" لا تنصب فقط على أصحاب البشرة السمراء، بل تشمل أيضاً أبناء الأقليات الأخرى في المجتمع الأميركي، وثمة تمييز ضد النساء أيضاً، وقائمة هذا العام (الدورة 88) تضم 20 مرشحاً من ذوي البشرة البيضاء، أبرزهم: إيدي ريدمان وليوناردو دي كابريو ومايكل فاسباندر وكيت بلاشيت، وكانت واحدة من المفاجآت الكبيرة في قائمة الترشيحات استبعاد فيلم "Connection" الذي لعب فيه دور البطولة الممثل الأسمر ويل سميث، وغياب الفيلم الجديد للمخرج سبياك لي(Chi-Raq) نصف كلمة شيكاغو ونصف كلمة عراق ولم يمنع ذلك من وجود ظلم وقع على مبدعين ليسوا من ذوي البشرة السمراء، مثل رايدالي سكوت مخرج فيلم "The Martian" المرشح لجائزة أفضل فيلم.
هي الصورة النمطية التي تريد المحافظة على ذهنية القائمين على السينما الأميركية المولعة بتقديم غير البيض بأنهم مجرمون وإرهابيون أو متخلفون وعبيد وخدم للمنازل، وهي لا ترى فيهم قادة أو مفكرين أو مبدعين أو فنانين، حتى لو كان من يحكم في البيت الأبيض من ذوي البشرة السمراء. ولن يعود عنصريو "الأوسكار" عن عنصريتهم إلا عندما يجدون أمامهم حاجز صد عالمي، سلاحه مقاطعة "الأوسكار".
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)