تمخضت القمة الاستثنائية الخامسة لمنظمة التعاون الإسلامي عن مجموعة من القرارات والتوصيات بشأن القضية الفلسطينية، ولاسيما القدس الشرقية، إلى جانب عدد من القضايا الملحة والساخنة في العديد من البلدان الإسلامية، من تطرف عنيف ونزاعات مسلحة وأزمات مستفحلة، باتت تهدد وحدة واستقرار العديد من الدول والمجتمعات الإسلامية، وكذلك الأمن والسلم العالميين، وتدفع نحو تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية والصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي.
غير أن تلك القرارات والتوصيات لم تكن بالمستوى المطلوب، سواء بالنسبة للآمال الفلسطينية التي علقت على انعقاد القمة، أو لجهة مكافحة التطرف والعنف في العالم الإسلامي، والإسهام في معالجة الملفات الشائكة في سورية والعراق واليمن وليبيا والسودان والصومال وأفغانستان.. الخ. وغابت عن القمة مشاهد المصالحات الطارئة بين قادة دول منظمة التعاون الإسلامي، حتى لو كانت تلك المصالحات مجرد مصالحات عابرة مثلما وقع في السابق.
وبرزت للعيان العديد من الملاحظات على انعقاد القمة وسير أعمالها والقرارات والتوصيات الصادرة عنها، فقد كان لافتاً ضعف مستوى تمثيل غالبية الدول المشاركة، رغم أن الدعوة كانت على مستوى القمة، فمعظم الدول أرسلت وزراء خارجيتها أو مسؤولين أقل مرتبة، علماً بأن 49 دولة فقط شاركت في المؤتمر من مجموع 57 عضوا في المنظمة، وغير خاف على أحد أن انخفاض مستوى التمثيل رسالة سلبية تصدر عن المؤتمر، تدل على تراجع الاهتمام بالملفات الفلسطينية، فضلاً عن انعكاس ذلك على آليات تنفيذ القرارات والتوصيات الصادرة عنه، بصرف النظر عن حقيقة أن التجارب السابقة للقمم الإسلامية والعربية كانت دائماً مخيبة للآمال بنتائجها على الأرض.
ولم تخرج ديباجة القرارات والتوصيات عن خليط من المناشدة والتثمين والشكر والتمني والإشادة والامتنان والتحذير والإعراب الاستنكار والإدانة.. الخ، وغابت أي قرارات أو توصيات يمكن البناء عليها في تنفيذ خطط داعمة للشعب الفلسطيني في مواجهة الاستيطان وإجراءات تهويد القدس الشرقية، وبرزت مفارقات غريبة في بعض التوصيات.
على سبيل المثال لا الحصر، "دعت القمة جميع الدول الأعضاء والمجتمع الدولي على نطاق أوسع إلى حظر منتجات المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في أسواقها واتخاذ تدابير ضد الكيانات والأفراد المتورطين أو المستفيدين من تعزيز الاحتلال ونظام المستوطنات..الخ"، بينما تغرق أسواق العديد من البلدان العربية والإسلامية بالمنتجات الإسرائيلية، ولا توجد قوانين وإجراءات فيها تمنع المستوطنين من التحايل على تصدير منتجاتهم ليس إلى هذه الدول فقط، بل اتخاذها كمنافذ لتصديرها إلى دول أخرى.
وعلى صعيد جهود التسوية، "أبدت القمة تأييدها لدعوة الرئيس الفلسطيني إلى عقد مؤتمر دولي للسلام لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، كونها خطوة أساسية تجاه إنهاء هذا الوضع المتفجر الذي لا يمكن تحمله، مما من شأنه أن يعزز الهدوء وينعش الأمل في التوصل إلى حـل سلمي لإنهاء احتلال إسرائيل الاستعماري، ويتيح لأبناء الشعب الفلسطيني العيش فـي حرية وكرامة في دولتهم الفلسطينية وعاصمتها القدس.."، إلا أن غالبية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي مازالت تدعم، في شكل أو آخر، الاستفراد الأميركي بملف المفاوضات على المسار الفلسطيني- الإسرائيلي رغم أنه بات معروفاً للقاصي والداني مدى خطورة بقاء الاستفراد الأميركي المنحاز لصالح إسرائيل.
باختصار؛ ما حصل عليه الفلسطينيون المزيد من الجمل الإنشائية، لا تغني ولا تسمن من جوع، فهي لا تلبي احتياجات أبناء القدس الشرقية وباقي أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن ومناطق اللجوء، مع خيبة أمل من عدم خروج المؤتمر بإجراءات عملية تدعم صمودهم في دفاعهم عن حقوقهم، ووضع حد للانتهاكات الإسرائيلية اليومية في أراضي الضفة الفلسطينية المحتلة عام 1967. وليس من المفاجئ أن السواد الأعظم من الفلسطينيين لم يتابعوا مجريات المؤتمر، لأن تجاربهم مع كل المؤتمرات السابقة لم تكن مشجعة.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)