تفاعلات قضية تسليم مصر جزيرتي صنافير وتيران للسعودية أبرزت حالة انقسام واسع داخل المجتمع المصري حول هذه القضية، وتجاوزت التفاعلات ردود فعل المصريين لتشمل قطاعات واسعة من الفلسطينيين والسوريين والأردنيين والسودانيين، الذين تعاملوا مع الموضوع من زوايا نظر مختلفة.
لا شك في أن نقل السيادة على صنافير وتيران لا يمكن فصله تماماً عن الصراع العربي والفلسطيني — الإسرائيلي، وعن "اتفاقية كامب ديفيد" تحديداً، فحسب نص تلك الاتفاقية، التي وقّعت بين مصر وإسرائيل عام 1978، ترابط في الجزيرتين قوات متعددة الجنسية لضمان الملاحة الإسرائيلية في المضايق، ولا يسمح لمصر سوى بشرطة مدنية بأسلحة فردية خفيفة، وانتقال الجزيرتين للسيادة السعودية سيجعل من السعودية طرفاً في "اتفاقية كامب ديفيد"، واعترف بذلك في شكل غير مباشر وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الذي أكد في لقاء مع رؤساء صحف مصريين "التزام السعودية بكل الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها مصر بشأن الجزيرتين، ومنها اتفاقية "كامب ديفيد" للسلام بين القاهرة وتل أبيب…".
هذا يعني بالترجمة العملية أن المملكة السعودية شطبت كل الاعتراضات التي كانت قد أبدتها سابقاً على "اتفاقية كامب ديفيد". ولا يغير شيئاً تصريح الجبير بأن بلاده لن تنسق مع إسرائيل بشأن جزيرتي صنافير وتيران، فالسعودية صارت ملزمة، وهي أقرت بذلك، بتطبيق بنود خاصة في "اتفاقية كامب ديفيد"، مما سيشكل تحولاً في المواقف السياسية التقليدية السعودية المعلنة إزاء الصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، ستكون باتجاه فتح قنوات اتصال مع إسرائيل في البداية ذات طابع أمني، في شكل مباشر أو غير مباشر، الأمر الذي سيثير قلقاً عميقاً لدى الفلسطينيين.
لكنه ليس دوراً توحيدياً بالتأكيد، بل يحمل العديد من التناقضات، فالسعودية في الحالة اليمنية طرف في الحرب الدائرة، وفي الحالتين العراقية واللبنانية تبني سياساتها كجزء من الصراع مع إيران، وفي الحالة السورية لا تمتلك السعودية استراتيجية واضحة في التعاطي مع ملف الأزمة، مما يثير علامات استفهام حتى لدى أطراف المعارضة التي تدعمها الرياض، ورفعت السعودية يدها من الملف الفلسطيني، فلم تعد تبذل أي جهد يذكر لانتهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني، وتراجع دعمها للسلطة الفلسطينية، ولم تعد تهتم بتطورات الأوضاع على الأرض في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، سوى بإصدار تصريحات إعلامية بين الفينة والأخرى.
ملامح حقبة عربية قد تستغرق فترة زمنية ليست بالقصيرة، ستحتل فيه المملكة السعودية الدور القيادي الذي كانت تلعبه مصر، وظل في حالة تراجع وتآكل خلال السنوات الماضية نتيجة انكماش اهتمام الحكومات المصرية بملفات السياسة الخارجية، والاشتغال بالأزمات الداخلية. حقبة عبرت نحوها المملكة السعودية من خلال الحرب في اليمن، وكان عبورها الثاني من خلال الدخول شريكاً في "اتفاقية كامب ديفيد" بتأكيد التزامها بالبنود الخاصة بجزيرتي صنافير وتيران، وسبق ذلك ضعف الاهتمام بالقضية الفلسطينية، ولا نعرف إلى أين سيقودنا عبورها الثالث، لكن من المؤكد سيفتح على مرحلة من المجاهيل السياسية والأمنية العربية ستكون لها ارتدادات مجتمعية عاصفة.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)