أثلج بابا الفاتيكان، أسقف روما فرانسيس، صدور المسلمين، والمحبين للسلم والمؤمنين بالإخوّة بين كل أبناء البشرية، برفضه وصم الإسلام بالعنف والإرهاب، وما كان لعاقل أن يتوقع غير هذا الموقف المسؤول من الزعيم الروحي للكنيسة الكاثوليكية، في وقت تشن فيه حملات إعلامية معادية للإسلام والمسلمين من بوابة استغلال الممارسات التي تقوم بها تنظيمات وجماعات إرهابية متطرفة تشوّه العقيدة الإسلامية، بإدعائها أنها تلتزم بتطبيق تعاليم الإسلام وتمثل المسلمين، كتنظيم (القاعدة) وتنظيم (داعش) وأطنابهما، وهي تنظيمات وجماعات لا تشكل سوى أقلية صغيرة وهامشية بين صفوف المسلمين.
البابا فرانسيس أجاب بلغة قاطعة على سؤال أحد الصحفيين، عن سبب عدم ذكره بتاتاً الإسلام في كل مرّة يدين فيها هجوماً إرهابياً تقوم به جماعة متطرفة تدعي الإسلام، حيث قال: " أعتقد أنه ليس من الصواب وصم الإسلام بالعنف.. ليس صحيحاً أو حقيقياً القول إن الإسلام هو الإرهاب.. لا أعتقد أن من الصواب الربط بين الإسلام والعنف". وأردف الباباً موضحاً: "لا أحب الكلام عن العنف الإسلامي لأنه في كل يوم أطالع الصحف أرى العنف هنا في إيطاليا.. شخص ما يقتل صديقته، وشخص ما يقتل حماته.. إنهم كاثوليك معمدون، ولو تحدثت عن العنف الإسلامي فلا بد أن أتحدث عن العنف الكاثوليكي.. ليس كل المسلمين يتسمون بالعنف".
ولعل ما قاله البابا فرانسيس لن يكون محل ارتياح لدى التنظيمات والجماعات المتطرفة، التي تدعي زوراً وبهتاناً تطبيق الشريعة الإسلامية وتمثيل المسلمين، ولا لدى تلك الجماعات المتطرفة في الضفة الأخرى المعادية للإسلام والمسلمين، والتي تعمل على شن حملات كراهية عنصرية ضدهم وإثارة مشاعر الخوف منهم وإطلاق الأحكام المسبقة بحقهم، وتروّج لأكاذيب "الإسلاموفوبيا" بأن الإسلام (دين عنف) ولا يشترك مع الديانات والثقافات الأخرى في قيمها، وبالتالي ما يترتب على مثل هكذا افتراءات من ممارسات تميزية واقصائية ضد المسلمين.
كما اتسم التصريح القصير الذي أدلى به البابا فرانسيس، على متن الطائرة التي أقلته إلى بولندا يوم الأحد الماضي، بروح المكاشفة والشفافية، بتأكيده على أنه "في كل الديانات تقريباً هناك دوماً مجموعة صغيرة من الأصوليين"، وإشارته إلى أنه "عندما لا يكون هناك خيار آخر، وعندما يُعبد المال ويتم وضعه بدلاً من الإنسان في قلب الاقتصاد العالمي.. هذا أول أشكال الإرهاب.. هذا إرهاب أساسي ضد كل البشرية، فلنتحدث عن ذلك"، وهذا نقد للدول الغربية، وتحذير لها من مغبة ما ينظر مجتمعاتها مستقبلاً جراء سياسات السوق المتوحشة، وفي هذا السياق شدّد البابا على أن"ترك الشباب الأوروبي دون قيم ودون مثال ودون عمل قادهم إلى المخدرات والكحول والجماعات الأصولية".
ما قاله البابا فرانسيس مهم لأنه يسحب البساط من تحت أقدام الجماعات المتطرفة، سواء كانت تنضوي في خانة جماعات (أصولية) إسلامية أو مسيحية أو من باقي الديانات، ويفند زعم تلك الجماعات بأن هناك حرباً دينية، ويصوّب المعادلة بما هي حرب تخوضها البشرية جمعاء ضد الإرهاب والتطرف بمختلف أشكاله ومنابعه، والذي يخدم بعضه بعضاً أخذاً بمبدأ قانون "الأواني المستطرقة"، فإرهاب الجماعات الإرهابية المتطرفة من نمط (داعش) يقدم أكبر خدمة للجماعات اليمينية المتطرفة في الغرب، والتي تتبنى نهج "الإسلاموفوبيا"، وبدوها تقدم الجماعات اليمينية الغربية المتطرفة خدمة للجماعات الإرهابية المتطرفة كـ(داعش) بدفع فئة من الشباب المسلمين، لاسيما في أوروبا، نحو التطرف انتقاماً من الإساءات بحق الإسلام والمسلمين من قبل معتنقي "الإسلاموفوبيا".
وتساعد أقوال البابا فرانسيس في استعادة زخم الحوار بين المسيحية، بكنائسها المتعددة، والإسلام، بمختلف طوائفه ومذاهبه، لإعادة العلاقة بينهما إلى السكة الصحيحة، بما هي علاقة تلاق لا تنافر. ومن شأن هذا أن ينعكس إيجابياً على الأزمات المحتدمة في منطقة الشرق الأوسط، وتوحيد جهود كل البشرية في مواجهة كل أنواع وأشكال التطرف والإرهاب والكراهية والتمييز والعنصرية، وعندها لن يكون هناك مكان لـ(داعش) بين المسلمين أو لـ(الإسلاموفوبيا) في الغرب. ولذلك إن إنصاف الإسلام والمسلمين يصب في بوتقة محاربة الإرهاب والتطرف.
(المقال يعبر عن رأي صاحبه)