يحرص من يمارسون العنف والإرهاب على إعطاء صورة تبرزهم وكأنهم يتمسكون بالمعتقد الديني أو بالخصوصية القومية أو العرقية أو الجهوية أو الإثنية، وأنهم يدافعون عن قيم دينهم ومجتمعهم، غير أنهم أبعد الناس عن ذلك، والقاسم الأكبر بينهم أن شخصياتهم حبيسة الإحباط، و"جنون العظمة" و"الاضطهاد المرضي"، وينظرون إلى الآخر بدونية لأنه في نظرهم (كائن لا يستحق الحياة) و(لا بد من القضاء عليه)، ويظهر ميلهم للعنف الشديد إذا توفرت ظروف اجتماعية مواتية، ببعديها السياسي والاقتصادي، مع ضعف عام في العامل الأخلاقي والنظام القيمي بالنسبة للأشخاص الذين ينحرفون للعنف والإرهاب.
وتشكّل الجماعات الإرهابية، والتشكيلات المتطرفة بمختلف أنواعها ومنابتها ومنطلقها، مغذياً للعنف والإرهاب، وحاضنة لمن لديهم ميول كامنة، ومن خلال عملياتها يمكن لهم أن يفرغوا طاقات العنف المكبوتة في داخلهم، ويشجعهم على ذلك الالتحاق بجماعة إرهابية، أو تتبنى العنف، والتأثر بنمط التلقين والعلاقات التي تربط بين أفرادها، مما يحولهم إلى جزء لا يتجزأ من ماكينة قتل منظمة، رغم احتفاظ كل فرد منهم بسمات خاصة.
وتوضح الدراسات أن الصفات المذكورة تجعل من يقعون تحت نيرها يتقبلون الأفكار المتطرفة التي تكفّر الآخرين، وينساقون وراء الدعوات للعنف وينغمسون في الإرهاب، وتوظيفه في حالات كثيرة خدمة لأغراض سياسية لفئة محددة، أو نشر الكراهية ضد فئة من المجتمع، بسب العرق أو اللون أو الدين أو المنبت الطبقي أو الاختلاف الفكري…الخ. ولذلك يعتبر الإرهابيون خطرا على مجتمعاتهم قبل غيرها، ويتوجب على المجتمعات أن تحمي نفسها، وامتلاك كل ما يلزم للوقاية منهم.
أن رفض العنف والإرهاب، بصرف النظر عن الجهة التي تمارسه، وإدانتها ومحاسبة المسؤول عنها، يشكل عاملاً رادعاً للإرهاب والإرهابيين، وتستطيع المجتمعات تحصين نفسها باستثمار كل طاقاتها في بناء الإنسان، حتى لا يكون عرضة للانجراف وراء أفكار تحريفية مريضة، وبمقدار ما تنجح المجتمعات في تحقيق نسب عالية من التطور الاقتصادي، والبنية السياسية ومستويات التعليم وغرس قيم الدين الصحيحة، بمقدار ما تبعد عنها شبح التطرف والعنف والإرهاب.
كما تلعب وسائل الإعلام دوراً كبيراً في هذا المجال، وللأسف يمكن أن يكون في الاتجاه الإيجابي أو الاتجاه السلبي، فالإعلام يمكن أن يساهم في محاربة ظواهر العنف والتطرف، وبمكن أيضاً أن يساهم في نشر تلك الظواهر في حال استطاعت جماعات متطرفة امتلاك منابر إعلامية ودعاوية مؤثرة، وهذا متوفر بسهولة في عصر الثورة الرقمية والإنترنت وتطبيقاته التكنولوجية، والحيز الواسع الذي تسيطر عليه وسائل التواصل الاجتماعي.
وإذا كان تحريف المعتقدات الدينة والقيم القومية والاجتماعية هو السلاح الأمضى الذي تستخدمه الجماعات العنيفة والإرهابية، فإن نزع الغطاء الديني والقومي والمجتمعي عن كل من يمارس العنف والإرهاب يضع الأساس للقضاء على هذه الظواهر، وفي هذا الحيز عربياً تتحمل المؤسسات الدينية مسؤولية خاصة لحماية المعتقد الديني من التلاعب به على يد الجماعات التكفيرية.
(المقال يعبر عن رأي صاحبه)