وتندرج هذه الواقعة في عداد سجل طويل من الاعتداءات التي يقوم بها الجنود الإسرائيليون ضد الأطفال الفلسطينيين، وتعزز لدى أولئك الجنود الشعور بأنه لا تترتب على سلوكهم أي عواقب قانونية، وينطبق ذلك أيضاً على المستوطنين، حتى عندما تتسم جرائم العنف ضد الأطفال الفلسطينيين بالبشاعة، على سبيل المثال لا الحصر، اختطاف الطفل الفلسطيني محمد أبو خضير من قبل مستوطنين متطرفين، في 2 تموز/يوليو 2014 من حي شعفاط في القدس، وإحراقه وهو على قيد الحياة، ونفذ الجريمة حاخام يهودي إسرائيلي واثنان من أبنائه وثلاثة آخرون من المستوطنين، وشنت حملة شعواء في محاولة لتبرئة القتلة، وإفلاتهم من العقاب بالادعاء أن الحاخام مجنون، لكن بشاعة الجريمة والأدلة الدامغة أجبرت المحكمة الإسرائيلية على إدانة ثلاثة من المتهمين بجريمة القتل العمد.
إلا أن عضو الكنيست الإسرائيلي، أليد شكد، الذي حرض على قتل الأطفال الفلسطينيين قبل يوم واحد من جريمة إحراق محمد أبو خضير حياً، ووصف الأطفال الفلسطينيين بـ"الثعابين الصغار"، لم يخضع للمساءلة لا من بعيد ولا من قريب.
صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية كانت قد نشرت تقريراً، عام 2009، قالت فيه "إن الجيش الإسرائيلي ينكل بالأطفال الفلسطينيين المعتقلين لديه ولدى الشرطة الإسرائيلية، إلى حد التهديد بالاعتداء الجنسي". وأضافت الصحيفة في تقريرها "يتبين من الوقائع التي تحدث عنها الأطفال أنهم تعرضوا لاعتداءات متفاوتة من قبل الجنود الإسرائيليين، أثناء التحقيق معهم أو قبل ذلك". وأشار التقرير إلى أن" 69% من الأطفال الذين تم اعتقالهم قالوا إنهم تعرضوا للضرب، و97% احتجزوا مكبلين لفترات طويلة، و96% احتجزوا معصوبي الأعين، بالإضافة إلى الحرمان من الماء وتلقي الشتائم".
ويساهم القضاء الإسرائيلي في استشراء ظاهرة العنف ضد الأطفال الفلسطينيين على أيدي الجنود الإسرائيليين، ففي شهر أيار/مايو الماضي قضت المحكمة المركزية الإسرائيلية بحبس الطفل الفلسطيني أحمد مناصرة بتهمة "محاولتي قتل لإسرائيليين وحيازة سكين"، علماً بأن شريط فيديو، نشر في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2015 أظهر ضغوطا غير إنسانية استخدمها ضباط إسرائيليون خلال التحقيق معه، وهم يكيلون عليه الشتائم وهو مكبل اليدين، لإجباره على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها.
كل ذلك يجري أمام نظر وسمع الأمم المتحدة، المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني، أفادت في أيار/مايو 2016 أن عدد الأطفال الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية شهد ارتفاعاً "درامياً" منذ العام الماضي، وأبدت قلقها حيال الأنباء الواردة بخصوص تعرض الأطفال إلى العنف الجسدي، وعصب أيديهم وأعينهم أثناء الاعتقال والتحقيقات. وأضافت شامداساني الثلاثاء، أنه وفقاً لإحصائيات مصلحة السجون الإسرائيلية، إن 440 طفلاً معتقلاً يقبعون في السجون، بينهم 12 طفلة. وأردفت قائلة: "نحن قلقون إزاء الادعاءات حول تعرض الأطفال إلى العنف الجسدي، وأنه يتم عصب أيديهم وأعينهم أثناء الاعتقال والتحقيق، ووضع بعضهم في حبس انفرادي".
الفلسطينيون يتساءلون متى تتوقف جرائم الجنود الإسرائيليين ضد الأطفال؟ ولا يبدو أن المعنيين بالإجابة يتعاملون مع هذا الملف بما يكفي من الاهتمام، وهم بذلك يرسلون رسالة غير مباشرة للجنود الإسرائيليين بمواصلة جرائمهم وانتهاكاتهم مادام لا أحد يحاسبهم، فالقانون الإسرائيلي لا يدينهم، والولايات المتحدة تمنع قيام تحرك دولي موحد ضدهم.