وأكد سمعان أن هذه السياسة لاستعادة روسيا مكانتها على غرار ما كانت عليه أيام الاتحاد السوفييتي، إلا أنها تبقى بعيدة عن إعادة بعث الحرب الباردة. موضحا أن ميزان القوى بين الدولتين الكبريين راجح عسكريا واقتصاديا لمصلحة الولايات المتحدة ولا يتيح لغريمتها تصحيحه بسهولة. فضلا عن أن ثمة قوى صاعدة في العالم. أولها الصين التي لن تكرر تجربة الوقوف على الحياد في "الصراع" بين أمريكا وروسيا.
وثانيها — بحسب الكاتب — أوروبا التي تسعى إلى نهج سياسة مستقلة عن المقلب الثاني من الأطلسي ردا على نهج الرئيس دونالد ترامب الذي خرج من معاهدة باريس للمناخ ويسعى إلى سياسة أكثر حمائية ويمارس ضغوطا على القارة العجوز، ولا يراعي مصالحها وما تلحقه العقوبات الأخيرة باقتصادها وعمل شركاتها.
علما أنها لا ترغب في الصدام مع جارها الشرقي بقدر ما تسعى إلى التعاون والتفاهم معه حول كثير من المعضلات السياسية والأمنية الناشئة بسبب ما يشهده الشرق الأوسط من حروب وأحداث. وهناك، ثالثا، قوى إقليمية كبرى لا تبدأ بالهند ولا تنتهي بالبرازيل.
وأضاف الكاتب سمعان: هذا الميل الأوروبي إلى التعاون مع روسيا يعزز مكانة الطرفين. وحتى موسكو ذاتها لا ترغب في مقاطعة جيرانها غربا ولا واشنطن على رغم هذا التخبط في سياسة إدارتها. بل يهمها مواصلة التعاون من أجل حماية مصالحها في الخارج. ولذلك حرص وزير خارجيتها سيرغي لافروف على التواصل مع نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون لتبرير قرار طلب تقليص عدد موظفي البعثة الأمريكية في بلاده. وذهب أبعد بالتعبير عن الاستعداد لتطبيع العلاقات الثنائية والتعاون في ملفات عالمية كبرى.
وقال:
لا شك في أن روسيا حريصة على مواصلة هذا التعاون في سوريا خصوصا لأنه يسهل لها تحقيق استراتيجيتها في هذا البلد ويمكنها من ترسيخ أقدامها وتعزيز حضورها على شاطىء المتوسط.
فيما تسعى إلى تمتين علاقاتها مع القاهرة ومع عواصم دول الخليج كافة التي يهمها أن يكون هذا التوسع على حساب تقليص مساحة النفوذ الإيراني. كما تسعى إلى توسيع دورها في الأزمة الليبية حيث تقيم علاقات متينة مع المشير خليفة حفتر المناوىء لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج والتي تلقى دعماً أمريكيا وأوروبيا.
وتطرق الكاتب سمعان إلى أن مسألة احتفاء الرئيس رجب طيب أردوغان بقرب الحصول على صفقة صواريخ "إس 400" من روسيا ستفاقم علاقاته مع أوروبا والولايات المتحدة أيضا. فهو يشعر بمزيد من الحصار. ذلك أن توتر علاقاته مع ألمانيا ودول أوروبية أخرى يبعده أكثر وأكثر عن فضاء القارة.
كما أن موقفه من الأزمة بين قطر وشقيقاتها في الخليج ومصر يهدد بإقفال أبواب المنطقة بوجهه سياسيا واقتصادياً. وهو أمر قد يجره إلى تعميق تعاونه مع موسكو على حساب علاقاته مع الغرب عموما.
كما أن أوروبا التي أربكتها المواقف السياسية المتتالية لترامب، أثارت العقوبات الجديدة غضبها. ويرى الألمان الذين تولي بعض شركاتهم العمل في خطوط إمداد الغاز الروسي إلى القارة، أن الإجراء ضد روسيا يطاولهم كطرف ثالث ويفاقم توتر العلاقات بين برلين وواشنطن.