هل يستكمل جنوب السودان اتفاق السلام رغم الخلافات حول "الترتيبات الأمنية"؟

تمر دولة جنوب السودان بمرحلة هي الأخطر منذ إعلان استقلالها عن السودان قبل أكثر من 10 سنوات، نشبت خلالها صراعات داخلية مسلحة، انتهت باتفاق للسلام تم توقيعه في الخرطوم عام 2018، لكن هذا الاتفاق تقف أمامه عقبة كبرى تسمى "الترتيبات الأمنية".

هل تتجاوز جوبا عقبة الترتيبات الأمنية في اتفاق السلام للوصول إلى الانتخابات؟

بداية يقول المحلل السياسي في جنوب السودان، أندريا ماج، إن العقبة الأولى أمام تنفيذ بند الترتيبات الأمنية الواردة في اتفاق السلام الذي ترعاه الخرطوم، يتمثل في عدم وجود إرادة سياسية في الجنوب من كل الأطراف.

الثقة المفقودة

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن اتفاقية السلام التي تم توقيعها في العام 2018 بين الحكومة والمعارضة بجنوب السودان، لم تكن نوايا الأطراف الموقعة عليها "صافية"، بل كانت هناك بعض الضغوط من المجتمع الدولي، لذا يحاول كل طرف من أطراف الأزمة الآن أن يتنصل من مسؤولياته في تنفيذ أو تطبيق الاتفاقية وبشكل خاص بند الترتيبات الأمنية، حيث كان يفترض دمج قوات الحكومة والمعارضة وتكوين قوة موحدة كنواة لجيش جنوب السودان.

وحول الإعلان عن التوافق حول تنفيذ الترتيبات الأمنية والتي تعد الحلقة الأخيرة في اتفاق إحلال السلام في جنوب السودان، قال ماج، إن الترتيبات الأمنية ليست شيئا جديدا، بل هى من لب الاتفاقية، لكن لم يتم تنفيذها، ولم نر هناك تحركات لإعادة الإنتشار أو تسليم السلاح.

وتابع "الكارثة الكبرى أن المدة الزمنية للفترة الانتقالية قاربت على الانتهاء، فما الذي يمكن أن يحدث عندما ينتهي المدى الزمني المحدد للفترة الانتقالية، هنا سوف تفقد حكومة الوحدة الوطنية شرعيتها في الداخل والخارج وعلى المستوى الإقليمي والدولي، ونتمنى توافق شركاء السلام على تذليل العقبات حتى يستطيع الشعب الذهاب إلى صناديق الانتخابات في وضع سلمي وآمن".

الترتيبات الأمنية

أما المسؤول السابق في حكومة جنوب السودان، دونقا قاي، فيرى أن العقبة الوحيدة في سبيل إكمال الترتيبات الأمنية لاتفاق السلام هى فقدان التوافق السياسي بين الحكومة والمعارضة.

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الوساطة السودانية في اتفاق السلام تجري حاليا مشاورات موسعة مع كل الأطراف في جوبا، ولا يستطيع أحد أن يتكهن بما سوف تسفر عنه تلك الاجتماعات، والقرارات التي ستصدر عنها ومدى التزام الأطراف بتلك القرارات.

وأوضح دونقا قاي، أن المشاورات تجري حول تشكيل هيئة الدفاع المشتركة، وهل سيتم تنفيذ ما نص عليه الاتفاق السابق أم سيكون هناك اتفاق جديد، حيث نصت الاتفاقية على أن تقسم الهيئة مناصفة بين الحكومة والمعارضة، وتدور حاليا خلافات حول تلك النسب ما بين الحكومة وأطراف النزاع الأخرى.

الوصول للانتخابات

ومضى بقوله: "كل المؤشرات تقول إن القادم سيكون أفضل وإن كل الأطراف سوف تلتزم بنتائج المشاورات، لأن الجميع يريد الوصول إلى الانتخابات خلال الفترة القادمة، وهذا لن يتحقق إلا إذا تم الانتهاء من كل بنود اتفاق السلام، ومن المحتمل أن يتم حسم كل النقاط خلال الساعات القادمة من خلال الاجتماع الذي سوف يعقده النائب الأول لرئيس مجلس السيادة السوداني "حميدتي" مع كل الأطراف في جوبا، والوضع العام يشير إلى أن هناك استقرار نسبي بشأن عملية السلام في البلاد، والحياة تسير بشكل طبيعي جدا وهناك حالة من التفاؤل وإصرار من كل الأطراف "حكومة ومعارضة" على استمرار السير في طريق السلام".

وكان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، قد أعلن أن رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، وافق على مقترح الخرطوم بشأن الترتيبات الأمنية وهيكلة جميع القوات في جنوب السودان.

وذكر مجلس السيادة السوداني، في بيان أمس الجمعة، أن ميارديت، استقبل حميدتي في جوبا بحضور وزير الدفاع السوداني المكلف الفريق الركن يس إبراهيم، والسفير السوداني بجوبا جمال مالك، وأعضاء اللجنة الفنية الخاصة بمتابعة الترتيبات الأمنية بجنوب السودان.

وحضر اللقاء من جانب حكومة جنوب السودان، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الأمنية توت قلواك، ووزير رئاسة الجمهورية ماريال بنجامين، ووزير رئاسة مجلس الوزراء مارتن ايليا، ووزير الخارجية ماييك ايي.

وأشاد نائب رئيس مجلس السيادة، في تصريحات صحفية "بحكمة وعزيمة الرئيس سلفاكير، الذي أعلن موافقته الفورية على المقترح، مقدما بذلك تنازلات من أجل تحقيق السلام".

وأوضح أن الرئيس سلفاكير، أبدى جدية والتزاما بعدم التراجع عن استكمال تنفيذ اتفاق السلام، لينعم مواطن جنوب السودان، الذي عانى كثيرا خلال السنوات الماضية، بالأمن والاستقرار.

ودعا "حميدتي" مواطني جنوب السودان إلى عدم الانسياق وراء الشائعات التي تهدف إلى تقويض عملية السلام، مؤكدا أنه ظل يتابع التطورات الأخيرة مع جميع الأطراف، وتلقى تأكيدات بأن ما يثار عن مظاهر عسكرية أمر روتيني لا يشكل تهديدا لأي طرف.

وطالب المجتمع الدولي بدعم جنوب السودان خلال هذه المرحلة الصعبة، لافتا إلى أنهم كمراقبين وضامنين لاتفاق السلام، سيعملون على وضع رؤية تسهم في تمتين جسور الثقة، وتساعد الأطراف على المضي قدما في استدامة السلام.

ومن جانبه، أشاد مستشار رئيس جمهورية جنوب السودان للشؤون الأمنية بجهود "حميدتي" وحرصه وصبره على تحقيق السلام في جنوب السودان، مشيرا إلى أن التوترات التي حدثت مؤخرا يقف خلفها أعداء السلام، الذين لا يريدون استقرار جنوب السودان.

ونفى توت قلواك، بشكل قاطع حدوث انفلاتات أمنية بجنوب السودان، معتبرا أن ما يثار، مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة.

وقال إن بلاده لن تعود للحرب مجددا، وأنهم لن يسمحوا بإفشال اتفاق السلام، مشددا على أن الأيام المقبلة ستشهد تقدما في بند الترتيبات الأمنية، بعد موافقة الرئيس سلفاكير على جميع المقترحات التي قدمها السودان.