هل تنجح "جبهة الخلاص الوطني" في توحيد المعارضة وإلغاء قرارات الرئيس التونسي

كشفت مكوّنات سياسية في تونس أمس الثلاثاء، عن الخطوط العريضة لما أَطلقت عليه "جبهة الخلاص الوطني" بهدف "العودة إلى طريق الديمقراطية" من خلال دعم حوار وطني يفضي إلى إصلاحات سياسية واقتصادية وحكومة انتقالية للإنقاذ.

فهل تنجح هذه الجبهة في توحيد صفوف المعارضة وكسر الإجراءات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد، منذ 25 يوليو/تموز الماضي، خاصة وأنها تجمع أطرافا سياسية يُلقي البعض على عاتقها مسؤولية الأزمة التي بلغتها البلاد.

وانضم إلى هذه الجبهة كل من حزب "حركة النهضة" و"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" و"حراك تونس الإرادة" و"مبادرة مواطنون ضد الانقلاب" وعدد من البرلمانيين والشخصيات السياسية، إلى جانب حزب "أمل" الذي تعود فكرة الجبهة إلى رئيس هيئته السياسية أحمد نجيب الشابي.

قوة توازن تفضي إلى حل الأزمة

وفي حوار لـ "سبوتنيك"، قال الشابي إن جبهة الخلاص الوطني ستتخذ حاليا ثلاثة مسارات؛ أولها مواصلة المشاورات مع الأطراف المعنية بالمشاركة فيها، وثانيها عقد اجتماعات عامة في مختلف المدن التونسية للتعريف بها، وثالثها الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني لبلورة مقترحات مشتركة للخروج من الأزمة، على أن يتم الإعلان الرسمي عن ميلاد هذه الجبهة في الثاني من شهر مايو/ أيار المقبل.

وبيّن رئيس الهيئة السياسية لحزب أمل، أن الغاية من هذه الجبهة هو "تشكيل قوة توازن تقترح طريقا للخروج من الأزمة وتقطع مع حالة الفراغ السياسي التي استغلها رئيس الجمهورية لبسط إرادته على الشعب"، مشيرا إلى أن الضغط الخارجي لوحده لا يستطيع أن يؤثر في قرار الرئيس في اتجاه العودة إلى الديمقراطية والفصل بين السلطات وحماية الحريات.

كما تدعو هذه الجبهة إلى تشكيل حكومة انتقالية للإنقاذ، يقول الشابي: "يجب أن يكون لها برنامج واضح خلافا للحكومات السابقة التي دخلت تجربة الحكم وخرجت منها دون خطط إصلاحية"، مشيرا إلى أن منتدى الحوار الاقتصادي سيضطلع بمهمة وضع برنامج الإنقاذ الذي ستعتمده هذه الحكومة.

وتابع: "يجب أن تحظى هذه الحكومة بمساندة عريضة من القوى السياسية والاجتماعية، لذلك من المهم أن تنبثق من الحوار الوطني. أما بالنسبة لتزكيتها أو إعطائها الصفة الشرعية فإن المسألة ستتطلب عودة البرلمان مؤقتا للمصادقة على مخرجات الحوار الوطني من ناحية وتزكية حكومة الإنقاذ حتى تصبح حكومة شرعية وتحظى بمساندة المجتمع من ناحية أخرى".

حوار مع خصوم الأمس

وحول مشاركة الأحزاب التي يتهمها جزء من التونسيين بتعميق الأزمة، قال الشابي: "التحالفات ليست دائمة وكذلك الخصومات، كنت في خصومة رأسية مع حركة النهضة وحلفائها في البرلمان وكنت أحمّلهم المسؤولية في الأزمة، ولكن مع هذا الوضع لا يمكن أن تستمر الخصومات لأن مصلحة البلاد تستدعي توحيد القوى".

ويرى الشابي أن رئيس الجمهورية قيس سعيد أشعل الأزمة واستغلها للانقلاب على الدستور وعلى المؤسسات الدستورية، مشيرا إلى أن هذا الوضع جعل حركة النهضة خارج دائرة الحكم وأصبحت لها مصلحة في العودة إلى الشرعية الدستورية.

وقال الشابي إن السياسة تقوم على المصالح، مشيرا إلى أن حركة النهضة تحوّلت إلى طرف رئيسي في مساعي التصدي لسياسات الرئيس قيس سعيد من وجهة نظر الشرعية الدستورية.

وتابع: "الهدف من هذا التحالف هو هدف براغماتي وليس انتهازي، وأعتقد أن الدفاع عن المكاسب الديمقراطية والعودة إلى الشرعية الدستورية يستدعي انضمام كل قوة توافق على هذه المبادئ، لذلك لا أرى حرجا في التعاون معها".

جبهة اقتضتها الضرورة

ويرى الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي في حديثه لـ "سبوتنيك" أن الأوضاع التي تمر بها البلاد من أزمة سياسية ودستورية واقتصادية متشعبة تستوجب توحيد مجهودات القوى السياسية.

وأضاف: "بعد تسعة أشهر من حركة 25 يوليو دخلت البلاد في الوقت الضائع، وهي اليوم في حاجة إلى عمل تشاركي وإلى مبادرة جامعة تقوم بلم الشمل وتفتح حوارا مسؤولا وجامعا لا يستثني إلا من استثنى نفسه وترسم الإصلاحات الضرورية. ولكن قبل ذلك لا بد من قطع النزيف والعودة إلى المسار الديمقراطي والدستوري، لا بد من حكومة إنقاذ وطني لإنقاذ المالية العمومية ولإبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي والضغط على الأسعار".

ويوضح الشواشي أن هذه الجبهة لا يمكن أن تنجح بمكونات سياسية كانت سببا في الأزمة والتي على أساسها اتخذ رئيس الجمهورية الإجراءات الاستثنائية، قائلا: "من المفترض أن تراجع هذه الأطراف أنفسها وأن تخضع للنقد الذاتي وأن تعتذر للشعب التونسي على الاخفاقات وعلى السياسات الخاطئة وعلى دعمها للحكومات الفاشلة وعلى عدم احترام الدستور من خلال عدم تركيز المحكمة الدستورية وبقية الهيئات الدستورية".

وتابع: "لا أعتقد أن من كان جزء من المشكل سيكون جزء من الحل لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولكنّ الأزمة التي تمر بها البلاد لا تحتمل الإقصاء والممارسة الديمقراطية أيضا تستدعي نبذ الإقصاء، لذلك يجب على هؤلاء أن يراجعوا أنفسهم وأن لا يبحثوا عن الحلول بالاعتماد على الخطاب والسياسات السابقة".

لا خلاص مع "من تسبب في الأزمة"

بينما يرى عضو المكتب السياسي لحركة الشعب محمد بوشنيبة، في تعليق لـ "سبوتنيك"، أنه لا يمكن الحديث عن خلاص على يد من تسبب في الأزمة التي بلغتها البلاد. قائلا: "هذه الجبهة تحوي في داخلها حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة الذين ثار عليهم الشعب التونسي".

وأضاف: "لا يمكن أن يكون هذا المشروع لصالح البلاد، لأنه مشروع في خدمة مصلحة القوى التي أدت بتونس إلى هذا الخراب السياسي والاقتصادي. فهذا الوضع ليس من صُنع رئيس الجمهورية الذي أمسك منذ بضعة أشهر بالسلطة وإنما هو تراكمات لوضع مرت به تونس في العشرية الأخيرة".

ويعتقد بوشنيبة أن غاية حركة النهضة من الانضمام إلى هذه الجبهة هو استعادة ما كانت تملكه طيلة العشر سنوات المنقضية، مضيفا: "أما بالنسبة إلى السيد أحمد نجيب الشابي وأمثاله فهم يبحثون عن فرصة للتموقع عندما عجزوا عن الحصول عليها في الانتخابات وعلى الساحة السياسية التونسية".

وقال بوشنيبة إن مكونات جبهة الخلاص الوطني تريد أن تمارس ما تتهم به رئيس الجمهورية وهو الانقلاب على الشرعية، متسائلا: "كيف ستؤسس هذه الجبهة حكومة في حين أن الدستور معطل والبرلمان تم حله؟".

وأشار بوشنيبة إلى أن حركة الشعب تشاطر مكونات هذه الجبهة في لفظ واحد وهو الحوار الذي وصفه بأنه الحل الحقيقي والوحيد للخروج بتونس من المأزق ورسم خارطة طريق للمرحلة المستقبلية تنهي المرحلة الاستثنائية، داعيا رئيس الجمهورية إلى توسيع دائرة الحوار وعدم الاكتفاء بدعوة المنظمات الوطنية والهيئات القطاعية.