بعد فصل مكتب فلسطين عن سفارتها بإسرائيل.. هل تنصلت واشنطن من وعود إعادة قنصليتها بالقدس؟

رغم اعتبارها من قبل البعض خطوة في طريق إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس، لم ير المراقبون تفسيرًا إيجابيًا في الخطوة الأمريكية الأخيرة القاضية بتغيير اسم "وحدة الشؤون الفلسطينية" في سفارتها لدى إسرائيل إلى "مكتب الشؤون الفلسطينية"، وجعله فرعا مستقلا عن السفارة وتابعا لقسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية.

يذكر أن القنصلية الأمريكية في القدس كانت الممثلة الدبلوماسية لمدة 20 عاما عن الإدارة الأمريكية للسلطة الفلسطينية حتى قرار إغلاقها عام 2019 على يد الإدارة السابقة برئاسة دونالد ترامب، والتي كانت قد اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل وافتتحت سفارتها لدى إسرائيل هناك.

وقال مراقبون إن هذه الخطوة خادعة ومحاولة أمريكية لإرضاء القيادة الفلسطينية قبل زيارة بايدن المرتقبة، متعبرين أنها تنصلًا أمريكيًا من إعادة فتح القنصلية الأمريكية في مدينة القدس.

ونقلت صحيفة تايمز أوف إسرائيل عن مصادر مسؤولة في أمريكا قولها، إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أعرب عن استيائه من سلسلة الخطوات التي تخطط إدارة بايدن لإدخالها من أجل تعزيز العلاقات مع رام الله، معتبرا أن الإجراءات غير كافية طالما أن القنصلية الأمريكية في القدس لا تزال مغلقة.

واعتبر حزب "الليكود" الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو هذا التغيير في السياسة الأمريكية أسوأ من إعادة فتح القنصلية في القدس، التي تعنى بمصالح الفلسطينيين. وقال إنه كان يحسب بأن هذا القرار جاء نتيجة لضعف الحكومة ورئيسها بنيت ونائبه لبيد، لكنه صعق عندما علم أن بنيت ولبيد أعطيا موافقتهما على هذا التغيير، وفقا للشرق الأوسط.

تراجع أمريكي

اعتبر الدكتور أسامة شعث، أستاذ العلوم السياسية والمستشار الفلسطيني في العلاقات الدولية أن خطوة الولايات المتحدة الأمريكية بإعادة تسمية (وحدة الشؤون الفلسطينية) داخل السفارة الأمريكية لتصبح (مكتب الولايات المتحدة للشؤون الفلسطينية في القدس)، لتتبع مباشرة إلى مكتب شوون الشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية ليست رمزية، ولا تمثل الحد الأدنى من تطلعات الشعب الفلسطيني.

وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، القرار الأمريكي يعد تراجعًا صريحًا عن وعود واشنطن بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في مدينة القدس، معتقدًا بأنها تهدف لإرضاء القيادة الفلسطينية، وذلك قبل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المزمعة إلى المنطقة.

وأكد شعث أن هذا المكتب سيكون تحت رعاية السفارة الأمريكية لدى إسرائيل في القدس بخلاف ما كان عليه الوضع في السابق مع القنصلية الأمريكية في القدس والتي كانت تتبع الخارجية الأمريكية مباشرة.

ويرى أن تغيير الاسم من وحدة إلى مكتب لا يعني مطلقًا رفع العلاقات الثنائية بين واشنطن وفلسطين، وإنما محاولة أمريكية لإبقاء الوضع الحالي على ما هو عليه، مع الأخذ بالاعتبار تسمية جديدة تتوافق مع تسميات وزارة الخارجية، مشيرًا إلى وصف الإعلام لهذه الخطوة بالمهمة على المستوى الرمزي، من أجل فصل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية عن الأمريكية الفلسطينية مبالغ فيها، وتأتي للتغطية على التراجع الأمريكي عن وعوده بإعادة فتح القنصلية في القدس.

وأوضح أن هذه الخطوة لا يمكن اعتبارها رفع مستوى للعلاقات بين واشنطن وفلسطين، وهو تراجع عن وعود أمريكية وتشريع للاحتلال أكبر، محذرًا من تصنيف بعض الجهات الإعلامية لهذا القرار وكأنه خطوة مهمة وإيجابية.

سيطرة إسرائيلية

بدوره اعتبر عضو المجلس الثوري لحركة فتح، المستشار زيد الأيوبي، أن قرار الإدارة الأمريكية بفصل الشؤون الفلسطينية عن أعمال السفارة الأمريكية في القدس وإنشاء مكتب مستقل عن السفارة يسمى مكتب الشؤون الفلسطينية يعكس مدى تأثير اللوبي الصهيوني في توجهات الإدارة الأمريكية التي من الواضح أنها عاجزة عن إنشاء قنصلية لها في القدس تعنى بالشأن الفلسطيني بسبب الرفض الإسرائيلي لذلك.

وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، هذا المكتب الأمريكي ستكون مرجعيته قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية مباشرة ودون المرور عبر السفارة الأمريكية في القدس، وهو بمثابة قنصلية وأكثر كونه سيعني بالتقارير السياسية والدبلوماسية الخاصة بفلسطين أيضا، لكن تكريسه باسم آخر غير القنصلية يعكس بشكل واضح عجز الولايات المتحدة الأمريكية عن ممارسة سياساتها الخارجية وفقا لإرادتها المنفردة.

وتابع: "الحكومة الإسرائيلية تسيطر على توجهات الإدارة الأمريكية وهو ما يشكل مسا واضحا في إرادة السلطة التنفيذية الأمريكية، بحيث تحولت إلى شخص قانوني دولي غير قادر على ممارسة توجهاته بمعزل عن التدخل الإسرائيلي، الأمر الذي يضر بأهلية أمريكا كدولة لمباشرة واجباتها والتزاماتها الدولية".

ويرى الأيوبي أن أزمة العلاقات الفلسطينية الأمريكية لا تتوقف عند فتح قنصلية أمريكية في القدس بصيغة مكتب مختص بالشأن الفلسطيني وإنما الأمر ينسحب إلى ضرورة إزالة اسم منظمة التحرير الفلسطينية عن قائمة الإرهاب وفتح مكتب المنظمة في واشنطن، بالإضافة إلى ضرورة أن تتوقف الإدارة الأمريكية عن سياسات الانحياز للاحتلال الإسرائيلي وتتوخى الحياد في العلاقة مع الفلسطينيين والإسرائيليين وهذا ما لا يشعر به الفلسطينيون من توجهات أمريكا تجاههم.

وشدد على أن الشعب الفلسطيني لا يقبل أبدا بالانحياز الأمريكي للإسرائيليين، وأن زيارة الرئيس بايدن المرتقبة يجب أن يسبقها إجراءات إيجابية بخصوص الكثير من الملفات العالقة، وإلا فإن زيارته لفلسطين ستكون مجرد زيارة علاقات عامة لا أكثر وسيعود خالي الوفاض، لأن هناك ملفات مهمة لم يسع بايدن لحلها وحلحلتها وهذا ما يعني أن امريكا فشلت في قيادة العالم نحو الأمن والأمان والسلام، وأصبحت جزءا أساسيا من أزمة السلم الدولي نظرا لمواقفها المنحازة دائما للظالمين.

وكان الرئيس الأمريكي، جو بايدن قد أعلن، خلال حملته الانتخابية، أنه يعتزم إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس، كما أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في رام الله في أيار/مايو الماضي، أن إدارة بايدن ستعيد فتح القنصلية في القدس، المسؤولة عن العلاقات مع الفلسطينيين، موضحا أنها طريقة مهمة "للتعامل وتقديم الدعم للشعب الفلسطيني".