وكانت ألمانيا النازية تستخدم الإمكانيات الصناعية والبشرية لأوروبا كلها تقريبا. واستفادت ألمانيا من إمكانيات أوروبا لتنشئ الصناعة الفعالة التي شكلت معينا لا ينضب لأسلحة وآليات الحرب. وتمتعت منتجات الصناعة الألمانية بالجودة العالية.
اصطياد الابتكارات
بدأت المخابرات الأمريكية صيد الاختراعات العلمية الألمانية قبل نهاية الحرب العالمية الثانية. وأنشأت لجنة الأركان المشتركة الأمريكية في نوفمبر/ تشرين الثاني 1944 لجنة الاستخبارات الصناعية التقنية لتبحث في ألمانيا عن الابتكارات التكنولوجية التي يمكن أن يستفيد منها الاقتصاد الأمريكي بعد الحرب. وضمت إحدى لجانها الفرعية وحدها 380 خبيرا يمثلون مصالح 17 شركة أمريكية.
تهجير العلماء
ولم يكتف الأمريكيون بالبحث عن المستندات والاختراعات اللازمة لصنع الأسلحة بل وضعوا خطة عملية "الستار" السرية لترحيل علماء ومهندسي وخبراء ألمانيا النازية المهزومة إلى الولايات المتحدة.
وبدئ بتنفيذ العملية في 6 يوليو/ تموز 1945 عندما أصدرت لجنة الأركان المشتركة مذكرة استخدام خبراء ألمانيا في البحث العلمي وقطاع الصناعات في الولايات المتحدة.
"ضحايا" النظام النازي
ولم يعط الرئيس الأمريكي غاري ترومان إشارة البدء لتنفيذ عملية تهجير خبراء ألمانيا إلى أمريكا رسميا حتى أغسطس/ آب 1945، مستندا إلى حظر استخدام الخبراء المرتبطين بالنظام النازي في الولايات المتحدة. غير أن وكالة الاستخبارات المشتركة التي تولت مسؤولية عملية "الستار" تمكنت من تجاوز هذا الحظر من خلال حذف ما يشير إلى ارتباط الخبراء الألمان بالنظام النازي من سيرة حياتهم أو إعادة كتابتها ليصبحوا "ضحايا النازية".
وكان من المفروض في البداية أن يرحل 350 خبيرًا ألمانيًا إلى الولايات المتحدة. إلا أن وكالة الاستخبارات المشتركة أصرت في عام 1946 على وجوب منح الجنسية الأمريكية لـ1000 عالم وخبير ألماني ونمساوي. ووافق الرئيس ترومان على خطة وكالة الاستخبارات في سبتمبر/ أيلول 1946.
وتم بموجب هذه الخطة ترحيل أكثر من 1.5 ألف من علماء ومهندسي وفنيي ألمانيا إلى الولايات المتحدة حيث قاموا بإجراء الأبحاث في مجالات كثيرة منها مجال الأسلحة الكيميائية واستخدام المخدرات أثناء تعذيب الناس وغزو الفضاء.
الغنيمة الثمينة
ومن أبرز "غنائم" الاستخبارات الأمريكية فرنر فون براون، مخترع صاروخ "فاو 2" وهو أول صاروخ باليستي حربي في العالم.
وسلم فرنر فون براون وغالبية زملائه أنفسهم وجميع المستندات الفنية الخاصة بصاروخ "فاو 2" والاختراعات الأخرى إلى السلطات العسكرية الأمريكية في بداية مايو/ أيار 1945. وحصلت السلطات الأمريكية أيضا على النماذج العملية من الاختراعات ومعدات التجارب.
ثم نُقل فريق العلماء برئاسة فرنر فون براون إلى فورت بليس في ولاية تكساس الأمريكة الذي يقع على مقربة مباشرة من مركز وايت ساندز الصاروخي في ولاية نيومكسيكو. ويعتبر هذان الموقعان مهدا للبرنامج الصاروخي الأمريكي.
وعمل فرنر فون براون خلال الأعوام الـ15 القادمة في القوات المسلحة الأمريكية على صنع صواريخ "فاو 2"، وتابع تجارب إطلاقها. ونال فرنر فون براون الجنسية الأمريكية في عام 1955.
بالإضافة إلى المشاريع العسكرية أشرف فرنر فون براون على اختراع الصواريخ الفضائية بدءا بصاروخ "يوبيتير إس" للقمر الصناعي الأمريكي الأول، وانتهاء بصاروخ "ساتورن 5" الذي حمل مركبة "أبولو 11" إلى القمر. وأصبح فرنر فون براون أول مدير لمركز مارشال للتحليقات الفضائية التابع لوكالة ناسا الفضائية، وتولى منصب نائب مدير وكالة ناسا ومنصب رئيس القاعدة الفضائية في كيب كانافيرال.
وأحيطت عملية "الستار" بالسرية الشديدة. وظل تعاون مسؤولي الحكومة الأمريكية مع النازيين طي الكتمان خلال عشرات السنين.