وفقاً للصحف الإسرائيلية، قرَّرت حكومة نتنياهو، يوم الأحد الماضي، إلغاء خطة الإصلاح المتعلقة بتسهيل إجراءات اعتناق الديانة اليهودية، والتي كانت الحكومة السابقة أقرتها بعد جدل واسع ومضن على امتداد سنوات، وأعطت من خلالها للحاخامات الرئيسيين صلاحية تشكيل محاكم دينية محلية، في المدن الإسرائيلية، لتمكين الراغبين في اعتناق الديانة اليهودية من التوجه إليها بدلاً من التوجّه إلى المحاكم الخاصة بذلك.
ويحيل قرار الحكومة الإسرائيلية، بهذا الخصوص، إلى الحاخام الأكبر، يتسحاق يوسف، وهو نجل الزعيم الروحي السابق لحزب "شاس" المتطرف عوفاديا يوسف، صلاحية تعيين الحاخام الذي يرأس المحاكم الخاصة بموضوع اعتناق الديانة اليهودية، في عودة إلى المحاكم الدينية الخاصة بدل المحاكم المحلية، وهذا واحد من المطالب التي كانت ترفعها الأحزاب الدينية المتطرفة.
ومن شأن هذا القرار، حسب انتقادات وجهت له من داخل الائتلاف الحكومي وخارجه، أن يصعِّب إمكانية تهويد المهاجرين الجدد، الذين لا يعتبرون يهوداً بموجب الشريعة اليهودية، بالتشدد في إجراءات اعتناقهم للديانة اليهودية.
الوكالة اليهودية كانت قد أدلت بدلوها عام 2004، حول موضوع تهويد المهاجرين الجدد، في تقرير صدر عن هيئة أنشأتها الوكالة تحت اسم "المعهد لتخطيط سياسات الشعب اليهودي"، ويتضمن التقرير معطيات حول عدد من القضايا المتعلقة باليهود في العالم، خصوصا انتشارهم من الناحية الجغرافية، وتكاثر اليهود بنسب ضئيلة، ومدى انصهارهم في المجتمعات التي يسكنون بينها.
وأفردت الوكالة في تقريرها حيزاً مهماً لموضوع الزواج المختلط بين يهود و"أغيار"، حسب المصطلحات اليهودية، حيث أوردت معطيات حول الزواج المختلط لليهود في دول العالم، مفادها أن روسيا وأوكرانيا تصدرتا نسب الزواج المختلط لليهود، بما نسبته بلغت 80% ممن يعدون يهوداً، وبلغت النسبة في ألمانيا وهنغاريا 60%، وفي الولايات المتحدة 54%، وفي فرنسا وبريطانيا والأرجنتين 45%، وكندا 35%، واستراليا 22%، وجنوب أفريقيا 20%، بينما لم تتجاوز نسبة الزواج المختلط في إسرائيل 5% فقط.
الوكالة بنتْ على هذه الأرقام أن الهوية اليهودية معرَّضة للذوبان، ولذلك ظهرت العديد من الأصوات تؤيد التساهل في إجراءات التهويد، بالتخفيف من الشروط المتشددة التي تفرضها المؤسسة الدينية الإسرائيلية، وربط التقرير دعوته هذه مع ملاحظة أنه ما بين 1970- 2003، ازداد عدد اليهود بنسبة 2%، وهي من أقل نسب التكاثر في العالم.
وأوصى التقرير بـ"تعزيز الطابع اليهودي لإسرائيل بواسطة منح الأولوية للهوية اليهودية في جهاز التعليم والاعتراف بمكانة الحركات اليهودية غير الأرثوذكسية، وتقديم الدعم المالي لجهاز التعليم اليهودي في أنحاء العالم، وإنشاء أكاديمية يهودية لإعداد قيادة مستقبلية لترأس الجاليات اليهودية في العالم، وانتهاج سياسة فعالة لتشجيع تهويد أبناء العائلة غير اليهود في العالم وفي إسرائيل".
لكن تناقص أعداد المهاجرين الجدد إلى إسرائيل، رغم تكثيف حكومة نتنياهو من حملاتها لاستقطاب أعداد من اليهود في البلدان الأوروبية، على خلفية الهجمات التي جرت مؤخراً في فرنسا والدنمارك، وكما تؤكده تقارير إسرائيلية حتى أولئك الذين يفكرون في الهجرة وجهتهم المفضلة ليست إسرائيل، بل الولايات المتحدة وكندا، مما يجعل المشاريع الإسرائيلية لزيادة عدد المهاجرين خاسرة، فضلاً عن أن نسبة كبيرة ممن هاجروا في تسعينيات القرن الماضي إلى إسرائيل، ولا تنطبق عليهم صفة يهودي- أي أن يكون مولود لأم يهودية حصراً، لا يبدون اهتماماً بمسألة التهويد، ويعتبرون أنفسهم ليسوا يهوداً وأن من حقهم التمتع بكل حقوق المواطنة، وبالتالي فإن إلغاء حكومة نتنياهو لقرار ما يسمى بـ"خطة إصلاح اعتناق اليهودية" هو بمثابة تحصيل حاصل لفشل مشاريع التهويد، وتقديمه كتنازل للمتدينين المتطرفين لا يعدو كونه تنازلاً لا قيمة عملية له.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)