أثارت عدائية رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إزاء الاتفاق الذي تم توقيعه بين مجموعة (5+1) وإيران، استنكار واستهجان العديد من السياسيين وقادة الأحزاب في إسرائيل، لاسيما لجهة توتير العلاقة مع الولايات المتحدة بدرجة غير مسبوقة، تهدِّد بتحول العلاقة بين واشنطن وتل أبيب من صداقة إلى عداوة، أو حسب ما قاله ضابط رفيع في المخابرات الأميركية في حديث مع نظير له في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "تحوِّل إسرائيل بنظر الأميركيين من الأزرق إلى الأحمر".
السياسيون الإسرائيليون المعارضون لمواقف بنيامين نتنياهو بشأن تسوية مشكلة البرنامج النووي الإيراني، عبر الاتفاق الموقع بين السداسية الدولية وإيران، أخذوا عليه عدم الموضوعية في تقييمه للاتفاق من مختلف جوانبه، ولجوئه إلى التهويل، وفتح معركة مع الإدارة الأميركية والرئيس باراك أوباما شخصياً، الذي قال قبل أيام، في سياق مقابلة أجرتها معه شبكة التلفزيون الإخبارية الأميركية (سي. إن. إن): "لا أتذكر حالة تدخل فيها زعيم أجنبي في السياسة الأميركية الداخلية كما يفعل نتنياهو فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران".
المجابهة بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي مقبلة على تصعيد أكبر، من مؤشراتها استخدام الرئيس أوباما لهجة حادة في انتقاده للوبي اليهودي في الولايات المتحدة الموالي لإسرائيل، فوفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، "طالب الرئيس أوباما قيادات الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة التي اجتمع بها في البيت الأبيض في نهاية الأسبوع الفائت بأن يتوقف اللوبي اليهودي الأميركي المؤيد لإسرائيل (إيباك) عن نشر الأكاذيب وبث الدعايات الملفقة ضد الاتفاق مع إيران..".
بموازاة ذلك، يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي محاولاته المستميتة لتحشيد أصوات داخل الكونغرس الأميركي بهدف تأمين أغلبية رافضة للاتفاق مع إيران، حيث اجتمع نتنياهو في التاسع من الشهر الجاري، في مقر رئاسة الوزراء، مع عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي في مجلس النواب الأميركي وطرح عليهم موقفه المعارض للاتفاق، وسيعقد في وقت لاحق من الأسبوع الحالي اجتماعاً مع مجموعة من أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري للغرض نفسه.
وفي تحدٍ للولايات المتحدة والإرادة الدولية، التي دعمت الاتفاق مع إيران، لم يستبعد وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، السيناريو العسكري في مواجهة المشروع النووي الإيراني. وأضاف في مقابلة مع مجلة "دير شبيغل" الألمانية، "إن على إسرائيل أن تكون جاهزة للدفاع عن نفسها. وأنا غير مسؤول عن عمر العلماء الإيرانيين.."، وهو ما رأت فيه صحيفة "يسرائيل هيوم"، التي نقلت مقاطع من المقابلة، أن يعلون يلمح بذلك إلى أن إسرائيل قد تشنّ حرباً خفيّة ضد علماء الذرة الإيرانيين.
أبعاد جديدة بدأ يأخذها الاستقطاب الداخلي الإسرائيلي، حول تقييم الاتفاق بين مجموعة (5+1) وإيران، ربطاً بالعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بكشف مجموعة من المعطيات لا يتم تداولها عادة في النقاش العام داخل إسرائيل. من تلك المعطيات تسريب مصادر إسرائيلية رفيعة المستوى معلومات حول تجاهل بنيامين نتنياهو لتقديرات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بتواطؤ مع قادتها، لاسيما رئيس شعبة الاستخبارات الجنرال هرتسي ليفي ورئيس وحدة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية العميد إيلي بن- ماير، اللذين يلتزمان صمتاً مطبقاً، ويجري طمس العديد من الحقائق، فيما يتعلق بالاتفاق بين مجموعة (5+1) وإيران.
ومن بينها ثلاث مسائل مهمة بتقدير أمير أورون، المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس"، وهي: "من هم مع الاتفاق النووي بين الدول العظمى وإيران ومن هم ضده والميزان لصالح من؛ مصير العلاقات الإسرائيلية — الأميركية بعد مواجهة نتنياهو- أوباما؛ وخسارة الأرصدة الاستخباراتية وهي الخبز اليومي للاستخبارات العسكرية.."، كما جاء في مقالة لأرون نشرتها الصحيفة بتاريخ 10/8/2015. ويتابع الكاتب ساخراً: "نتنياهو يتنازل عنها كي يواصل تعداد أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الذين يفضلونه على رئيسهم".
ودأبت مصادر واسعة الإطلاع في إسرائيل على تسريب معلومات متواترة، في الآونة الأخيرة، تفيد بأن تقديرات الجهات المهنية المختصة في الاستخبارات الإسرائيلية تتعارض كثيراً مع المعلومات التي يشيعها رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه، فشعبة الأبحاث في المخابرات العسكرية الإسرائيلية ترى أن الاتفاق مع إيران يحفل بالعديد من النقاط الإيجابية، وجرى نقل هذا التقييم إلى الجهات العليا، إلا أنه اختفى في حسابات المرجعيات السياسية والعسكرية والأمنية، لأن التقديرات تكذِّب ما يقوله نتنياهو ليل نهار إزاء الاتفاق النووي مع إيران، وإدعائه بأن الاتفاق يضع إيران على العتبة النووية، بدل تفكيك برنامجها النووي. وبتقدير الخبراء المحللين الإسرائيليين ستدفع إسرائيل ثمناً غالياً لتجاهل نتنياهو وقادة الجيش الإسرائيلي تقديرات الدوائر المختصة في الاستخبارات الإسرائيلية.