سعى الخطاب الإسرائيلي على الدوام لتثبيت فكرة تزعم بأن الصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي ليس العامل الرئيس، ولا حتى عاملاً رئيسياً، لعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وخلال السنوات الأربع الماضية وجدت الحكومة الإسرائيلية في الأحداث التي تعصف بالعديد من البلدان العربية، لاسيما في سوريا والعراق واليمن، سلاحاً لإعادة تسويق هذه المقولة، بإسناد من شخصيات سياسية أميركية مخضرمة في العمل الدبلوماسي ومعروف عنها دعمها المطلق لإسرائيل.
رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قال في كلمة له، ألقاها عبر شاشة الفيديو أمام "منتدى سابان للسياسات" الذي انعقد في واشنطن، يوم 6/12/2015 "إن الادعاء بأن مصدر الصراعات في منطقة الشرق الأوسط يعود إلى النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني غير صحيح على الإطلاق، وما نراه في الآونة الأخيرة أن هناك نزاعاً أهم وأخطر بين الإسلام الشيعي المتطرف بقيادة إيران والإسلام السني المتشدد بزعامة تنظيم "داعش".
وأضاف نتنياهو، قائلا "إن الحل الوحيد للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني يتمثل بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جانب دولة إسرائيل، شرط أن تعترف هذه الدولة بإسرائيل كدولة يهودية…"، وليس الاعتراف بما يسميه نتنياهو "يهودية دولة إسرائيل" هو الشرط الوحيد، الذي يحاول أن يفرضه على الفلسطينيين، بل هناك العديد من الشروط الأخرى، التي يعرف نتنياهو أن الفلسطينيين لا يمكن أن يقبلوا بها إطلاقاً في أسس تسوية شاملة ومتوازنة، حيث لا يمكن تحقيق تسوية دون حضور القدس الشرقية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، كذلك لا يمكن الإبقاء على الكتل الاستيطانية وجدران الضم والفصل العنصرية، التي تقسِّم أراضي الضفة الفلسطينية إلى مجموعة معازل… الخ.
ويدعم نتنياهو وحكومته، في إدعاءاتها المشار إليها، عدد من مخضرمي السياسة الأميركية المعروفين تاريخياً بدعمهم المطلق لإسرائيل، بل والعمل لصالحها وللتغطية على سياساتها الاحتلالية، وعلى رأس هؤلاء وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسنجر، الذي أعلن مؤخراً رفضه قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، مدعياً أن من شأن قيام دولة فلسطينية مستقلة "إضافة دولة عربية فاشلة"، بينما يعاني الوضع العربي من حالة ضعف، بل وانهيار "بسبب ظهور تنظيم (داعش) وتعاظم قوة إيران في الشرق الأوسط"، على حد ما قاله كيسنجر.
وفي سياق متصل، بات من المسلم به أن إدارة الرئيس باراك أوباما لم تعد تراهن على إمكانية تحريك العملية التفاوضية بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وتصب في هذا الاتجاه العديد من التصريحات التي أدلى بها الرئيس أوباما نفسه، ووزير خارجيته جون كيري، وكان فحواها باختصار نفض اليد من تسوية سياسية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي في المدى المنظور، واكتفى الأخير في كلمته أمام "منتدى سابان للسياسات" بالتحذير من خطر انهيار السلطة الفلسطينية، مؤكداً أن "مثل هذا الانهيار سيؤدي إلى دفن حل الدولتين وإقامة دولة ثنائية القومية…"، دون أن يكلف كيري نفسه عناء أن يوضح ماذا على واشنطن أن تفعل لمنع انهيار السلطة الفلسطينية، والحيلولة دون النتائج الخطيرة التي ستترتب على ذلك.
المشترك بين تصريحات نتنياهو وتصريحات أوباما ووزير خارجيته، جون كيري، هو تثبيت مقولة أن العملية السياسية- التفاوضية على المسار الفلسطيني- الإسرائيلي دخلت مرحلة جمود حتى إشعار آخر، يشدد نتنياهو أنه سيبقى على حاله إلى أن يقبل الفلسطينيون بالشروط الإسرائيلية، أي تغيير أسس المفاوضات وإطارها ومرجعياتها، ما من شأنه ليس تجميد التسوية بل نسفها، وعندها لن ينفع إدراك نتنياهو وأركان الإدارة الأميركية خطأ التقليل من محورية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ومحاولة تجاهل هذا الصراع والامتناع عن بذل ما يلزم من جهود، وعدم توفير الشروط والاستجابة للاستحقاقات المطلوبة، للوصول إلى تسوية شاملة ومتوازنة للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، على أساس القرارات الدولية ذات الصلة. مع التأكيد على أن الفلسطينيين لن يدفعوا وحدهم ثمن غياب التسوية، فالإسرائيليون أيضاً سيدفعون ثمناً باهظاً.