من ناحية أخرى، لا يعرف الكثيرون أن العقود التي تبرم من خلال هيئة المعونة الأمريكية تشترط أن يقتصر تنفيذ المشروعات على الشركات الأمريكية، وأن تستخدم مواد ومصنوعات أمريكية دون غيرها، وأن يكون شحن البضائع والمنتجات من خلال شركات شحن أمريكية. أما في شأن المنتجات الزراعية، فإن البرامج التي تضعها الهيئة تخدم بالأساس مصالح المنتج الأمريكي، ونعرف جميعا قصة إلقاء القمح في المحيط التي تفعلها الإدارة الأمريكية عمدا حتى لا تتأثر أسعاره.
الأمر الآخر يتمثل في محاربة الولايات المتحدة لكل محاولات الاستقلال الاقتصادي الذي ربما تقوم به إحدى الدول التي يجب أن تظل خاضعة لها، لذا تضغط الإدارة الأمريكية لفصل هذا الموظف أو ذاك، حتى على أعلى مستوى إداري في البلد المستهدف، حتى لا يؤثر وجوده على تنفيذ الخطط الأمريكية. ومن الأمور التي لاحظتها بنفسي من خلال أصدقاء أعرفهم يعملون في هيئة المعونة الأمريكية أن العديد من الوظائف ذات الرواتب المرتفعة تمنح لأبناء الطبقات الراقية وأصحاب الحظوة والنفوذ، حتى لا يعترض أحد على سياسات الهيئة، وتجد الهيئة طبقة ممتدة من المدافعين عنها حال تعرضها لأي هجوم أو تعرض مصالحها للخطر أو التهديد.
هناك أمر آخر هام، وهو ترويج اسم الولايات المتحدة الأمريكية كداعم للاقتصاد المحلي بالدولة المعنية، ودعم التحركات السياسية التي تستهدف بالطبع تحقيق الأهداف الأمريكية القصيرة والطويلة الأجل على السواء. أما من الناحية العسكرية، تحقق المعونة العسكرية شيئا في غاية الأهمية للولايات المتحدة الأمريكية، ألا وهو احتكار توريد الأسلحة للصانع الأمريكي، والتحكم في جيوش الدول المستفيدة من المعونة، حتى تصير دائما تحت رحمة الإدارة الأمريكية.
ولا يقتصر الأمر بالطبع على الأسلحة كعنصر أساسي، إنما يشمل تدريبات مشتركة تقيم فيها القيادات الأمريكية مدى الكفاءة القتالية لتلك الجيوش. وإضافة لذلك، يسمح هذا التعاون مع الولايات المتحدة بالحصول على ميزات عسكرية عملية، كما حدث مع مصر في مرات عديدة، إذ سمحت السلطات المصرية للمعدات العسكرية الأمريكية بالعبور من قناة السويس، حتى البارجات النووية، وجرت آلاف الطلعات الجوية الأمريكية في سماء مصر. ولم تكن إسرائيل بالطبع بعيدة عن هذا المشهد الذي تخدمه المعونة الأمريكية، حيث تستخدم الولايات المتحدة المعونة الأمريكية كورقة للضغط على السلطات المصرية لاتخاذ المزيد من إجراءات التطبيع والتعاون مع دولة إسرائيل.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)