فشل إدارة الرئيس باراك أوباما في تحقيق أي إنجازات يعتد بها على صعيد السياسة الخارجية، وخسارة واشنطن لثقة أقرب حلفائها المقربين، وما يوجه لها من انتقادات حادة، شاركت في توجيهها دول من الاتحاد الأوروبي، لن يكون أكبر الخسائر التي لحقت بواشنطن خلال ولايتين رئاسيتين للرئيس أوباما، فما يجري على أرض المعركة في جنوب ووسط أفغانستان ينبئ بأن تقدم مقاتلي حركة "طالبان" على حساب وحدات الجيش النظامي، لاسيما في ولايتي أروزغان وهلمند، سيقود إلى فقدان الحكومة الأفغانية لسيطرتها على مساحات واسعة من أراضي البلاد، وعودة "طالبان" كرقم عسكري صعب، مما يعني أن خمسة عشر عاماً من الحرب الأميركية والأطلسية في أفغانستان انتهت إلى الفشل، وأن واشنطن وحلفاءها عاجزون عن منع انهيار الوضع هناك.
قائد القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان، الجنرال جون كامبل، لم يستبعد أن تتم مراجعة عديد الدفعة الجديدة من القوات الأميركية التي ستنسحب من أفغانستان في العام الجاري، "بالنظر إلى الوضع الأمني في البلاد"، حسب ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية، وأضافت الوكالة "أوضح الجنرال أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي أن عديد القوة الأميركية المقرر بداية من الأول من كانون الثاني/يناير 2017 والبالغ 5500 عسكري كان حدد لمهمة مكافحة إرهاب ضد "القاعدة".. لكن مهمة تدريب الجيش الأفغاني ستصبح عندها محدودة جداً مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر عدم التمكن من سد الثغرات التي لا تزال قائمة في مواجهة "طالبان"، وإذا كنا نريد الاستمرار في تعزيز الجيش الأفغاني… سيكون علينا تعديل هدف بقاء 5500 عسكري في بداية 2017..".
ترجمة ما ذهب إليه الجنرال كامبل سيترتب عليها فشل الرئيس الأميركي أوباما وإدارته في الوفاء بتعهد الانسحاب العسكري من أفغانستان قبل نهاية الولاية الرئاسية الثانية لأوباما. وللتذكير؛ سبق لإدارة أوباما التراجع عن قرار كان يقضي بسحب القوات الأميركية في أفغانستان في خريف عام 2015، مع الإبقاء على قوة صغيرة في العاصمة كابول لتدريب الجيش الأفغاني، وقررت الإبقاء على 9800 عسكري سيبقى منهم في أفغانستان 5500حتى مطلع عام 2017، لكن الجنرال كامبل يطالب بمراجعة الرقم المطلوب الإبقاء عليه.
ما الذي سيتغير على الأرض إذا ما تم الإبقاء على بضعة آلاف من الجنود الأميركيين في أفغانستان؟ جنرالات البنتاغون لا يعطون إجابة مباشرة على هذا السؤال، إلا أن الجميع يقر بأن العملية العسكرية الأميركية- الأطلسية في أفغانستان قد فشلت بالفعل، ولن يغير من الأمر شيئاً الإبقاء على عدد أكبر من القوات الأميركية، فالرئيس أوباما أمر في عام 2009 بنشر 30 ألف جندي أميركي إضافي في أفغانستان، في إطار ما وصفه بمراجعة استراتيجية بلاده هناك، وعبَّر عن ذلك بالقول: "قررت بصفتي القائد العام، إرسال ثلاثين ألف جندي إضافي إلى أفغانستان لما يمثله ذلك من مصلحة وطنية حيوية، والهدف من زيادة القوات هو حرمان "القاعدة" من معقل آمن تخطط وتنفذ منه هجمات إرهابية، والتصدي لتلك القوة التي اكتسبتها "طالبان" خلال السنوات الماضية..".
وكان ملاحظاً حينها أن أوباما لم يكن واثقاً من أن خطة زيادة عدد القوات في أفغانستان ستحقق نتائج إيجابية، وللحفاظ على مخرج أو خط رجعة حرص أوباما في الخطاب ذاته، الذي أعلن فيه زيادة عدد القوات، على التأكيد على أن القوات الأميركية ستبدأ بالعودة إلى بلادها بحلول منتصف عام 2011، واعتبر المراقبون السياسيون ذلك "سعياً من أوباما لطمأنة الأمريكيين إلى أن الخطة الجديدة لا تنذر بحرب مفتوحة بلا نهاية..".
عود على بدء؛ إن الإبقاء على قوات أميركية بمهمة قتالية سيدخل الولايات المتحدة في حرب بلا نهاية، وهو الكابوس الذي كان يخشاه أوباما، وسيصبح حقيقة واقعة، ثمن الهروب منها وفق السياسة الميكافيلية الأميركية الاعتراف ضمناً بفشل الحرب الأميركية والأطلسية في أفغانستان، ووضع المسألة الأفغانية خلف الظهر، حتى لو أدى ذلك إلى عودة حركة "طالبان" ومن خلفها تنظيم "القاعدة" إلى الواجهة، وتحوّل أفغانستان إلى بؤرة تهدد أمن واستقرار دول الجوار، كثمرة من ثمار سياسة النزعة العسكرية الأميركية المتهورة، وافتقار واشنطن لرؤية تقوم على شراكة حقيقية مع كل مكونات المجتمع الدولي لمواجهة كل أشكال التطرف والإرهاب.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)