زهرة، الفتاة الرقيقة ذات الحادية والعشرين ربيعا، تخرجت لتوها من كلية الفنون الجميلة، ألحقها والدها بالكلية نظرا لبراعتها في الرسم، مرت السنون ولم يزدها الوقت إلا جمالا وفنا.
ألقى والدها عليها التحية، استدارت زهرة مبتسمة وتعلقت برقبة والدها وقبلته. سألها… ماذا تفعلين يا قطتي الصغيرة؟ أجابت بأنها تكتب قصة. تعجب الوالد لأنه لم يسبق أن رآها تكتب أو حتى وجد فيها ميلا للكتابة. قطعت زهرة سيل تساؤلاته وأخبرته أنها وجدت أن برأسها تدور أفكار تبحث عن طريق للخروج، وهي تحاول منذ شهور الإمساك بأحد تلك الأفكار، لكنها لم تشعر برغبة في كتابتها أكثر من الآن. وفي هذا متعة خاصة فاقت حبها للرسم. أمسكت زهرة الكراسة وأعطتها لوالدها ليقرأ. صمت الأب لبرهة، ثم شرع يقرأ:
زهرة والحيرة… حكايات القهر
(1)
لا أعرف لماذا يشن الناس الحروب؟ ما الذي يدفع إنسانا لقتل أخيه دون ذنب ارتكبه؟ ليس القتل فقط أن توجه فوهة مسدسك نحو صدره، إنما كلمة منك غير مناسبة قد تكون أقوى من الرصاص. هناك تفاصيل صغيرة في حياتنا عظيمة الأهمية وأكبر تأثيرا من تفاصيل كبيرة، فمنها تنسج الحياة، وفي أثوابها يعيش البشر. أتحسر عندما أشاهد الناس يضحكون مثلا على شخص معاق في مشهد من مشاهد الأفلام. يصيبني الرعب عندما يتحيز الناس للقوي، أو يزيفون الحقائق، أو يكذبون، رغبة منهم في كسب شيء ما، أو ربما استجابة لغواية لحظة فانية. ومهما كانت الدوافع التي يسوقها الناس لتبرير جرائمهم، فهي لا تساوي شيئا أما لحظة قهر أو رعب واحدة. ولا يعتبر أدعياء الحرية أقل اجراما من السفاحين، لأنهم يروجون لوهم لا يؤمنون به. أقول… لن تنال الحرية حتى تؤمن بها أولا، ولا تنتظر الصبر مع القهر.
(2)
نحن أبناء العالم، الأرض موطننا، تاريخنا هو تاريخ الانسانية، علينا أن نتحرر من قيود المكان، اللغة، الأنا، المعتقد، ونرى الدنيا من السماء…
(3)
غادر تلك المدينة التي تشعر فيها أن روحك وحيدة؛ غادرها لأن دروبها مخيفة؛ غادر لأنك لا تشعر بالأمان؛ غادرها فقلوب أهلها قاسية؛ غادر حتى لا تضاف إلى سجل المساجين، أو تكون واحدا من سجانيها…
(4)
تشرق الشمس كل يوم، يأخذ نورها من أعمارنا، لا تعبأ بحرب أو حزن أو موت، تشرق علينا، فلنجعلها تشرق منا، صباح الخير والرضا والمحبة والنور…
(5)
ربما نذهب بعيدا، وربما لا نبرح أماكننا، لكننا في النهاية ابناء قدر، كتب تاريخنا هناك في مكان ما، نتوهم أننا من يكتبها، تمر فوق جثثنا أقلامها، لا فرق بين فهد وفأر، الكل يعود حيث بدأ.