قطار المصالحة مازال بإمكانه الحركة، وربما الوصف الأقرب إلى الدقة سفينة المصالحة، فالقطار يسير على سكة لابد وأن تصل إلى محطة محددة في النهاية، بينما الجولات السابقة من المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" جرت في بحر متلاطم من تصريحات متفائلة سريعاً ما كانت تنقلب إلى أجواء مشحونة، وسط اتهامات متبادلة حول من يتحمل مسؤولية انهيار اتفاقات المصالحة.
رئيس الوزراء الأسبق للسلطة الفلسطينية، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، كان واضحاً في تحديد سبب فشل اتفاقيات المصالحة في السنوات الأخيرة، ففي خطاب له في الجامعة الإسلامية في غزة، بمناسبة يوم التمريض العالمي، أكد هنية أن المصالحة لن تتم إلا من بوابة "الاعتراف بكل الموظفين بغزة، كي ينخرطوا في السلك القانوني والإداري للسلطة…"، وأضاف "لن نسمح مطلقاً لأولئك الذين حملوا المرحلة على أكتافهم أن يصبحوا في الشارع في أي لحظة من اللحظات"، ويبلغ عدد الموظفين في غزة 40 ألف موظف.
يعرف القاصي والداني أن الخلاف على هذه النقطة عطّل تنفيذ اتفاق الشاطئ في غزة واتفاقات القاهرة والدوحة غير مرة، وعطل سابقاً اتفاقات وجهود بذلت في الرياض ومكة المكرمة وموسكو ودمشق والجزائر واسطنبول… إلخ، وثمة خلافات تفصيلية بناء على تلك النقطة، مثل أسس وكيفية توحيد الأجهزة الأمنية والمؤسسات بين الضفة وقطاع غزة، والتعيينات في المناصب العليا في الوزارات والأجهزة والمؤسسات. إلا أن الطرفين في الاستقطاب الثنائي الفلسطيني، "فتح" و"حماس"، كانا على الدوام يضعان الخلافات بينهما في سياق سياسي- برنامجي، لكن يبدو أنهما قررا أخيراً الحديث بوضوح حول جوهر المشكلة، وانتقال محطة جهود المصالحة إلى سويسرا يصب في هذا الاتجاه.
للتذكير، طرحت سويسرا، في تشرين الأول/أكتوبر 2014، خطة كاملة لمعالجة أزمة رواتب موظفي الحكومة السابقة في قطاع غزة بإشراف دولي، وموافقة السلطة الفلسطينية، وهو ما عرف آنذاك بـ"الورقة السويسرية". ونقل حينها عن السفير الفلسطيني في سويسرا، إبراهيم خريشة، أن عباس أبلغ سويسرا موافقته على مبادرتها بشأن حل أزمة موظفي حكومة غزة السابقة، بينما طالبت "حماس" بإدخال تعديلات على الورقة رفضت من قبل "فتح".
الجزء الثاني؛ رزمة المعايير المحددة، وتشمل "آليات تعويض مالي انتقالية/ مؤقتة ومساعدات اجتماعية. دفع رواتب لعدة آلاف من موظفي الخدمة المدنية الذين عملوا قبل حزيران/يونيو 2007 ممن قُطعت رواتبهم من قبل السلطة الفلسطينية واستمروا في أداء عملهم في قطاع غزة. تعطى الأولوية لحلول جوهرية في الوزارات لقطاع تزويد الخدمات للسكان (وتكون الأولوية في الدمج لقطاعي الصحة والتعليم). تشكل حكومة الوفاق لجان خبراء فنيين على مستوى كل وزارة في قطاع غزة. مباشرة الأخذ فوراً بمعايير مناسبة لإعادة بناء الثقة. يجري العمل على تطوير وتطبيق استراتيجية اتصال لعملية الدمج وآليات تنفيذها"… إلخ.
من الجيد الحديث في شكل صريح ومباشر عن جوهر المشكلة، بانتظار محطة سويسرا المرتقبة للمصالحة الفلسطينية، لكن لا يمكن لطرف فلسطيني تقديم تعهد بتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه في هذا الشأن، لأن ذلك يتطلب ضوءا أخضر من الدول المانحة للسلطة الفلسطينية، أو ضمان جهات تعوض السلطة في حال أوقفت الولايات المتحدة مساعداتها، على سبيل المثال لا الحصر. غير أنه ليس من المفهوم أن يتم تعطيل الوحدة الوطنية الفلسطينية، نتيجة الخلاف على هذه النقطة، في حين يواجه الشعب الفلسطيني وقضيته تحديات مصيرية، لن تكون محطة سويسرا معنية بمناقشتها.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)