أعطى الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إجابة صادمة على سؤال حول إمكانية تقديم اعتذار عن إلقاء قنبلة نووية أميركية على هيروشيما عام 1945، إذ لم يكتف برفض تقديم اعتذار بل راح يبرر واحدة من أفظع الجرائم التي عرفتها البشرية في التاريخ الحديث. ففي مقابلة أجرتها معه قناة "ان اتش كي" اليابانية، بمناسبة زيارة سيقوم بها إلى المدينة المنكوبة، قال أوباما: "لا لن اعتذر لأني أعتقد انه من المهم الإقرار بأنه في أوج الحرب على القادة أن يتخذوا أشكال القرارات كافة…"، ومضى في تبريره لجريمة هيروشيما أبعد من ذلك بقوله: "من دور المؤرخين طرح الأسئلة وتحليلها، لكنني أعرف بحكم تولي هذا المنصب منذ سبع سنوات ونصف، أن أي قائد يتخذ قرارات صعبة جداً وخصوصاً في زمن الحرب…".
في حقيقة الأمر، خلال سبع سنوات ونصف قضاها في البيت الأبيض عمل أوباما جاهداً على تقديم نفسه كرجل يفضل إتباع وتجريب الوسائل الدبلوماسية في حل النزاعات، وينأى بنفسه عن استخدام القوة، ويبذل ما في وسعه من أجل السلام، وقد حرصت إدارته منذ البداية على تقديم نفسها في ثوب سياسي مختلف عن إدارة الرئيس بوش الابن، برفعها لشعاري "الانفتاح السياسي على خصوم الأمس والحوار معهم"، و"تصفية الحروب المباشرة التي ورثتها عن الإدارة السابقة في العراق وأفغانستان، واستعادة هيبة الولايات المتحدة باستخدام القوة الذكية"، وقيل حينها بأن هذين الشعارين سيمثلان اختباراً لمصداقية أوباما وإدارته.
لكن النتائج المحققة على الأرض تثبت أن الشعارات الرنانة التي رفعتها إدارة أوباما، ومنها الشعار الأول من الشعارين المذكورين، بقيت كلها حبراً على ورق، مما يعيدنا إلى الاعتراضات على قرار لجنة نوبل منح أوباما جائزة "نوبل للسلام" عام 2009، فهو لم يفعل ما يستحق أن يمنح بمقتضاه جائزة نوبل.
النقاط الأربع لم يطبق منها شيء للأسف، لأن إدارة أوباما غزلت على منوال الإدارات السابقة، ففي النقطة الأولى من غير المفهوم أن يمتنع أوباما عن تقديم اعتذار عن جريمة استخدام السلاح النووي ضد هيروشيما وناغازاكي، والطامة الأكبر أن يعمد لتبرير هذه الجريمة، باعتبار أنها من بين سلة قرارات يمكن أن يتخذها القادة في الحرب، ما يمكن أن يفهم منه أيضاً أن أوباما ليس بعيدا عن اتخاذ مثل هكذا قرار في ظروف معينة.
ورفضت إدارة أوباما اتخاذ خطوات عملية فيما يخص القرار الصادر عام 1995، والذي ينص على إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وأفشلت مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية "الحد من انتشار الأسلحة النووية"، وأصرت واشنطن على مواصلة سياسة الكيل بمكيالين في مسألة منع انتشار السلاح النووي، فرغم تأكيد إدارة أوباما على أن تقليص الأسلحة النووية على الصعيد العالمي "ثابت من ثوابت الاستراتيجية النووية الدولية الجديدة"، لم تخرج إدارة أوباما عن المواقف الأميركية التقليدية، التي تضع الترسانة النووية الإسرائيلية تحت مظلة الحماية الأميركية.
وأدت السياسات الخارجية الأميركية إلى تسميم العلاقات الدولية، وعودة شبح "الحرب الباردة"، وسباق التسلح، وتفجير بؤر توتر جديدة في العالم، وبدل أن تركز جهدها على إيجاد تسوية سياسية للصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، من خلال إعادة بناء العملية التفاوضية على أسس جديدة تكون مقبولة ومنتجة، عملت على إبقاء بقايا العملية التفاوضية في غرفة إنعاش إلى أن لفظت أنفاسها، وأعلنت بعدها واشنطن إفلاس سياساتها الشرق أوسطية.
ومن غير المستبعد أن يتحفنا أوباما بتبرير تهديدات إسرائيل للعرب باستخدام الأسلحة النووية ضدهم، فهو قال بالفم الملآن: "في أوج الحرب على القادة إن يتخذوا أشكال القرارات كافة…"، إنها سقطة أخلاقية كبيرة لحائز على جائزة "نوبل للسلام"، صدع رؤوس الناس بشعارات لم ينفذ منها شيء، ويرفض اليوم مجرد تقديم اعتذار جريمة استخدام الأسلحة النووية في هيروشيما وناغازاكي.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)