سلسلة من الاتصالات بين المسؤولين في البلدين مهدت للزيارة الأولى للرئيس التركي إلى روسيا عقب خطاب الاعتذار وفشل محاولة الانقلاب العسكري، في محاولة للتأكيد على أهمية الدور الروسي على الساحة الدولية وخطوة من جانب أردوغان للتقارب مع روسيا وتجاوز كافة المشاكل العالقة خلال مرحلة التوتر التي تعرضت لها العلاقات الثنائية، في الوقت الذي تشهد علاقات أنقرة مع واشنطن وبروكسل توترا واضحا بسبب رفض تسليم "فتح غولن" الذي تتهمه تركيا بالتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة، وملف اللاجئين السوريين مع الاتحاد الأوروبي، في ظل عدم الالتزام ببنود الاتفاق الذي تم بين الطرفين مارس/آذار الماضي.
المباحثات التركية الروسية ستتناول مزيجا من الملفات السياسية والتجارية، وبحسب تصريحات مساعد الرئيس بوتين للشؤون السياسية، يوري يوشاكوف، فإن الأزمة السورية تأتي في مقدمة الملفات السياسية التي تتصدر أجندة المباحثات، إلى جانب مشروع أنبوب نقل الغاز الروسي إلى جنوب أوروبا "ترك ستريم" ومشروع بناء محطة للطاقة النووية للاستخدامات السلمية، فضلا عن استئناف السياحة الروسية إلى المنتجعات التركية، ورفع الحظر عن المنتجات الزراعية التركية للأسواق الروسية.
الاقتصاد والعلاقات بين موسكو وأنقرة
هناك مصالح مشتركة بين موسكو وأنقرة، ولعل الزخم الذي تكتسبه علاقات التعاون الاقتصادي وأهمية الارتقاء بمستوى التبادل التجاري بين البلدين يمكن أن يمثل قاطرة قوية في تلك المرحلة الجديدة من العلاقات، والتي ربما سيكون لها تأثير على المواقف السياسية لصالح استقرار المنطقة وعلى أساس احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
رؤية روسيا للعلاقات الدولية تقوم على أساس مبادئ المساواة والاحترام ومراعاة مصالح الأطراف المختلفة، بينما تظل مستعدة لمواجهة كل ما يمكن أن يهدد الأمن القومي ويؤثر سلبا على مصالح البلاد، فضلا عن مواجهة الإرهاب والتطرف وتنامي نفوذ الجماعات الإرهابية في المنطقة.
هناك توجه نحو مزيد من التقارب والتعاون الإيجابي خلال المرحلة المقبلة على أن تكون المشاريع الاقتصادية وزيادة حجم التبادل التجاري مرحلة أولى لهذا التقارب، مع استمرار المباحثات وتبادل الآراء حول الملفات والقضايا السياسية، للوصول إلى قواسم مشتركة لتجاوز الخلافات والحفاظ على توازن العلاقات بما يحقق مصالح الجانبين، والوصول بحجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار خلال المرحلة المقبلة.
عضوية الاتحاد الأوروبي
لطاما ردد الرئيس التركي كلماته التي أكدت من خلالها على أن "العضوية الكاملة بالاتحاد الأوروبي، تمثل هدفا استراتيجيا لتركيا…ونحن نناضل منذ 50 عاماً تقريباً من أجل تحقيق هذا الهدف… العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي ستضيف لتركيا الكثير، ستعزز من التعددية الثقافية، ومناخ التسامح، وكلها أمور بحاجة إليها القارة الأوروبية…تركيا جزء لا يتجزأ من أوروبا تاريخيا وجغرافيا وثقافيا".
ولكن في ظل التباين والتوتر الحاصل حالياً مع واشنطن من جانب وبروكسل من جانب آخر، يطرح السؤال نفسه عما إذا كانت السياسة الخارجية التركية تسير على حبال المتناقضات بين القوى الإقليمية والدولية لتجاوز المرحلة الحالية أم أن هناك توجه جديد للحكومة يهدف إلى نبذ الخلافات مع دول الجوار والبدء في مرحلة جديدة
الخلاصة
رغم التاريخ الذي يحمل الكثير من ملامح المستقبل في المنطقة، فإن تباعد موقف البلدين من الأزمة السورية لن يكون عقبة أمام المضي قدما في طريق الاستفادة من نقاط التوافق المشتركة بين موسكو وأنقرة، بينما على تركيا الإجابة عن تساؤلات حول التعاون في محاربة الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق، وعدم التدخل في الشأن الداخلي السوري وتترك للسوريين حق تقرير المصير واختيار من يحكمه، بمعنى آخر إعادة النظر في سياستها الخارجية التي تتعلق بالأحداث الجارية في المنطقة وانتشار الفوضى واتساع رقعة الإرهاب والتطرف.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)