نعم هذا الاتفاق قبلته روسيا وقبلته الحكومة السورية بالرغم من التفاصيل التي أصرت عليها الولايات المتحدة، والتي جعلت منه إلى حد كبير مشوها لما فيه من محاولات فاضحة لحماية التنظيمات الإرهابية تحت ستار دعم المعارضة المعتدلة التي لم تشرح الولايات المتحدة، حتى اللحظة، مالذي تعنيه هذه الكلمة في القانون الدولي. وشوهته لأنها كانت تقصد التعدي على السيادة السورية واستقلال قرارها السياسي، والأكثر من ذلك انتهاك حق الشعب السوري، وقتله وتعذيبه وتجويعه وحصاره وتهميشه بالكامل وإعطاء الكلمة في المنابر الدولية لمجموعات معارضة لا تملك على الأرض أي وزن سوى وزن العتاد والسلاح الذي يمرر لأذرعها المسلحة على امتداد الجغرافيا السورية.
لنصل إلى المرحلة الأشد حزما والأكثر خطورة بعد نشر روسيا لنص الاتفاق المبرم بشأن سورية، وبعد خروج كل من الطرفين الروسي والأمريكي عن الأعراف التي تضبط العلاقات الدبلوماسية من خلال تصريحات نارية وفيها الكثير من الوقاحة من قبل موظفي الخارجية والإدارة الأمريكية، ما استدعى الرد بالمثل من قبل موظفي الخارجية الروسية ووصل الحد فيها إلى فضح الكثير من عيوب موظفي الإدارة الأمريكية بالدلائل والإثباتات القاطعة على انعدام الحس البشري أو الأخلاقي عند موظفي هذه الإدارة التي استخدمت كافة وسائل وأسباب التشهير بروسيا وبقيادتها بشكل معيب على دولة تعتبر نفسها تمثل التقدم والرقي والحضارة.
مع ذلك تبدو الخلافات الحادة القائمة بين روسيا والولايات المتحدة على طريقة التعامل مع الملف السوري وكأنها تسير نحو انعطافة جديدة، وقد يكون من شأنها تسعير الوضع في سورية أكثر مما هو عليه، وهذا يتضح تماما من حالة الهيستيريا التي تصيب الشخصيات الرسمية الدبلوماسية والسياسية الأمريكية عندما يتم طرح الملف السوري على الطاولة في أي محفل دولي.
رغم كل ذلك أتت القيادة الروسية على نفسها وصرحت غير مرة أنها مستعدة لمتابعة التعاون والحوار مع الولايات المتحدة لأجل إيجاد صيغة للتعامل مع التطورات الراهنة ، والحفاظ عل اتفاق التاسع من أيلول والاستمرار بتطبيقه، من جهة أخرى لم تعط روسيا المجال لأحد باستثمار تعقيدات المرحلة، فقطع الممثل الدائم لروسيا الاتحادية لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين الذي تسلمت بلاده رئاسة مجلس الأمن للشهر الحالي، الطريق على مشروع قرار تقدمت به فرنسا وإسبانيا بشأن فتح كوريدور إنساني لإنقاذ المحاصرين في حلب، وهذا ما قد يزيد حدة التوتر والتعقيدات كون هاتين الدولتين لايمكن أن تطرحا مثل هذا المشروع المشبوه بدون علم الولايات المتحدة كما من قبله المساعدات الإنسانية السابقة والتي كانت تنقل أسلحة ومعدات حربية للمسلحين والمجموعات الإرهابية في حلب، وشهد العالم كيف تفجرت واحترقت على مبدأ "طير وفرقع يابوشار" فكيف لها أن تحتوي على غذاء من المفروض أن يشتعل وينفجر بلطف في الأمعاء وليس كالبارود في الشاحنات.
وعلى المنقلب الآخر يستمر الجيش العربي السوري في التقدم على جبهة حلب ويدعو المسلحين للإنسحاب من شرقها مقابل ضمانات، دون أن يكترث لمايجري على الساحة الدولية من كباش سياسي بشأن سورية، وهذا هو أحد أهم أسباب الهستيريا التي تصيب الولايات المتحدة وحلفائها جراء الانتصارات التي يحققها الجيش السوري وحلفائه على المجموعات الإرهابية التي تعد الأمل الأخير للولايات المتحدة للمناورة مع روسيا في حال حققت أي تقدم أو انتصار بات شبه مستحيل على الأرض، رغم أن أردوغان وجيشه يسرحون ويمرحون في بعض أجزاء الشمال السوري وهم لايدرون أي منقلب سينقلبون، لذلك لن نضيع الوقت بالحديث عن هذه الجزئية اليوم.
خلاصة القول لم تكن الولايات المتحدة محشورة في الزاوية في تاريخها الدموي الذي تتقدمه العنجهية والغطرسة كما هو عليه حالها الآن ، الحكمة في هذه المرحلة تتلخص في أن تعقد الآمال على
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)