ظروف كهذه، من المنطقي أن تدفع بالتنظيم الإرهابي الأخطر على مر التاريخ المعاصر، إلى التفكير والبحث عن سبل جديدة، تحميه من السقوط والانهيار الكاملين، وتبعد عنه أيادي المقاتلين والعازمين على إنهائه، ولو إلى حين.
ولكن أين يمكن أن يختفي المقاتل الداعشي، الذي عاش خلال السنوات الخمس الماضية حالة مختلفة، لم تدع له مجالاً للتفكير في أنه قد يواجه حملة لإفنائه، أو القضاء على حلم الخلافة، الذي وضعوه في أجوائه خلال السنوات الأخيرة، وبشروه بأن الدولة الإسلامية تقوم، وهو الآن يعيش فيها.
ويرى بدر الدين أن السعودية أصبحت، بداية من العام الجديد، الهدف الجديد لتنظيم "داعش" الإرهابي، الذي يبحث حالياً عن مأوى لعناصره الشديدة الخطورة، إذا اضطر للخروج بشكل كامل من الموصل، أي أنه سينقل مقاتليه إلى المملكة قريباً.
وحسب الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية والتنظيمات المسلحة، فإن سلطات الأمن السعودية أثبتت يقظتها بالفعل، بدليل تمكنها من القضاء على سالم الصيعري، الذي كان مطلوباً لدوره الخطير في تصنيع أحزمة ناسفة، نُفذت بها عدد من الجرائم الإرهابية، واشتراكه مع المتهم الثاني "الصاعدي"، في تحويل منزله لوكر لتصنيع المواد المتفجرة من أحزمة وعبوات ناسفة.
زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي أبو بكر البغدادي — والحديث لبدر الدين- أعلن من قبل إن لديه الرغبة في ضم إمارات خليجية إلى دولته المزعومة، التي يسميها "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، ويبدو أنه أخيراً قرر وضع أمنيته موضع التنفيذ، فأمر رجاله أن ينشطوا في المملكة.
ولكن…هل يكتفي تنظيم "داعش" بالذهاب إلى السعودية، التي يعرف جيداً أنه لن يستقر فيها ولن تكون مكاناً آمناً له؟ أغلب الظن أن التنظيم الإرهابي إذا تحققت هزيمته الكاملة في الموصل، وخرج من العراق مهزوماً مذلولاً، فإنه لن يكون متماسكاً كتنظيم أو جماعة، ولكن سيتحرك بأسلوب الهروب الفردي، فلن تكون هناك تجمعات بالمعنى المعروف عن التنظيم، ولكن خلايا نائمة، تلك التي ستكون مسؤولة عن تنظيم وتمويل عمليات نوعية فردية، داخل المملكة وخارجها.
الأسلوب نفسه، قد يتكرر في دولة الجزائر، التي تعد من أكثر الدول المؤهلة لدخول عناصر التنظيم كأفراد، والإقامة هناك، فالتنظيم أرسى بعض القواعد هناك، من خلال بث أفكاره المتطرفة بين أعداد كبيرة من المواطنين الجزائريين والمغاربة، وخصوصاً بين السيدات، وهو الأمر الذي يعد أكثر خطورة، فالمرأة هي المسؤولة عن تنشئة أطفالها، أي أن التنظيم ضرب في سويداء القلب، لينتج أجيالاً متطرفة من مهدها.
ولعل مقاطع الفيديو المنتشرة لجرائم القتل التي دبرها ونفذها التنظيم توضح أن الإندونيسيين والصينيين وغيرهم من ذوي البشرة الصفراء، أعمدة أساسية داخل "داعش"، بل ويمكن الاعتماد عليهم في المهمات الصعبة التي تحتاج لغلظة قلب، وليس أدل على ذلك من مقطع الفيديو الذي صور "طفلاً" إندونيسيا ينتمي "لداعش"، ينفذ عملية قتل، بالتأكيد ما كانت لتتم دون تنشئة فكرية متطرفة.
ولكن هذه التصورات تخضع جميعاً لفرضية انهزام "داعش" بشكل كامل في سوريا والعراق، التي يحارب فيها حالياً للحفاظ على الموصل، بينما لا تقل ولاية الفرات أهمية عن الموصل، فهي المحافظة الوحيدة التي تتقاطع فيها الحدود العراقية السورية والأراضي والمناطق النائية، وكلها أماكن محتملة لاختباء كبار أعضاء الجماعة، وذلك إن لم يكونوا موجودين هناك بالفعل.
خلاصة القول، إن التنظيم الإرهابي يجهز نفسه، ليس فقط للهجرة جنوباً وغرباً، ولكن أيضاً لنمط حياة جديد على مقاتليه، لم يعتادوه خلال السنوات الأخيرة، منذ أن احتلوا مدناً كاملة وصكوا عملات خاصة بهم، وأصدروا هوياتهم الخاصة، ليعودوا مواطنين متخفين كل في بلده أو مهاجر، ولينفرط عقدهم بعدما كانوا قوة، اجتمع العالم ليحاربهم.
(المقالة تعبر عن رأي صاحبها)