بالأمس القريب تصاعدت حدة الخلافات بين إيران والسعودية، وتطورت الأوضاع إلى أن أيقن المراقبون من غير السياسيين، أن الصدام واقع لا محالة، فقد بدأت الحرب الإعلامية بين البلدين بصورة غير مسبوقة، وكانت اللغة المستخدمة في وسائل إعلام البلدين حادة، بل وتفوقت في أوقات معينة على بيانات الحروب، والجميع كان ينتظر ساعة الصفر، ووصلت تلك الأزمة إلى ذروتها بعد صدور البيان الختامي لقمة مجلس التعاون الخليجي الـ37 بمملكة البحرين، والذي دعا طهران لعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج، والذي سبقته طهران ببيان دعت فيه دول الخليج لعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
ولم تمر سوى أيام قلائل حتى تم الإعلان عن زيارة لوزير الخارجية الكويتي لطهران، وتسليم رسالة من الصباح إلى روحاني، وكانت الأحداث الإقليمية والدولية خلال الأيام الماضية قد تزاحمت وتشابكت خيوطها، بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض وتصريحاته السابقة ضد طهران، وفرض عقوبات جديدة على إيران والتلويح بإعادة النظر في اتفاق الملف النووي، أضف إلى هذا أن القوى الدولية الفاعلة في العالم وعلى رأسها موسكو، ارتأت أنه لا بد من وقفة جادة بدون تسويف لحل الأزمات المتفاقمة في المنطقة والتي أصبحت تشكل خطراً على العالم أجمع، وعلى رأسها الوضع في سوريا، والذي تمثل في جمع الفرقاء السوريين في محادثات "آستانا"، وكذا محاولات المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، إيجاد صيغة مقبولة لحل النزاع في اليمن.
المعطيات السابقة فرضت على طهران، السعي لإيجاد مخرج آمن من الطوق الذي بدأ يفرض عليها قبل استحكام الخناق، ولم تكن مبادرة الكويت وزيارة وزير خارجيتها إلا بداية لتقريب وجهات النظر، ولم يمض وقت طويل حتى حط روحاني بالكويت وسلطنة عمان، وفي اعتقادي أن هناك تفاهمات غير معلنة تم تداولها بوساطة كويتية عمانية، لإيجاد صيغة توافقية بين طهران والرياض، وهو ما يلاحظه المتابعين لهذا الملف، بأن مستوى صوت بيانات الحرب الإعلامية بدأ في الانخفاض بصورة ملحوظة.
وقد لخص المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي الزيارة، بأنها مؤشراً لوجود إرادة مشتركة لتطویر العلاقات الودیة بین ضفتي الخلیج خاصة أنها جاءت في ظل ظروف حساسة وخاصة تمر بها المنطقة.
وقال قاسمي في تصریح لوكالة الأنباء الإيرانية إن السلطان قابوس والشیخ صباح الأحمد الجابر الصباح یرغبان بإیجاد آلیة جماعیة بمشاركة إیران ودول المنطقة للحوار حول أمن واستقرار المنطقة، ومواجهة التهدیدات والهواجس المشتركة ومنها مكافحة الإرهاب والتطرف والبحث بصورة مفصلة ودقیقة حول الظروف الإقلیمیة والآلیات المناسبة لخفض التوتر فی المنطقة وإرساء التعاون الجماعي.
و قالت الكاتبة الكويتية، فجرالسعيد لـ"سبوتنيك" إنه "يبدو أن وزير الخارجية الكويتي قد حمل مبادرة جديدة إلى طهران، خلال زيارته النوعية الأخيرة، وكذا استجابة الرئيس الإيراني لدعوة الكويت وسلطنة عمان، وتوحي تلك الزيارة بتفاهمات قادمة في المنطقة وأعتقد أن وصول ترامب للحكم في الولايات المتحدة، وعداءه المباشر لإيران، بجانب الربيع الإيراني، سيجعل طهران تستجيب لأي مبادرة لرأب الصدع، وواضح أن مبادرة الكويت هى مبادرة للصلح، و استجابة الرئيس روحاني، سيليها خطوات من الجانب الإيراني لرأب الصدع بينه وبين دول المنطقة، وهذا سيكون له تأثير إيجابي على القضيتين السورية واليمنية، ونحن كشعب كويتي نتمني أن يعم السلام العالم أجمع".
وعلق محمد صالح الصديقان، الباحث السياسي الإيراني، مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية على الزيارة لـ"سبوتنيك"، "في اعتقادي أن زيارة وزير الخارجية الكويتي الشهر الماضي لطهران، لم تكن تمثل العلاقات الثنائية بين الكويت وإيران، بقدر ما هي رسالة خليجية إلى طهران، ومن وجهه نظري أن طهران كانت جادة بالفعل في فتح صفحة جديدة من العلاقات مع الدول الخليجية منذ فوز الرئيس روحاني عام 2013، ويبدو أن التطورات المتسارعة التي حدثت في سوريا، وبعد تلك السنوات رأى الجانب الإيراني والخليجي أن هذا التباعد لن يخدم المصالح الثنائية وكذا مصالح دول المنطقة، وبالتالي علينا أن ننتظر ردود الأفعال التي ستلي تلك الزيارة، ونتمنى أن تنعكس نتائج تلك الزيارة على العلاقات بين"طهران والرياض"، رغم أن هناك الكثير من التقاطعات والاختلاف في وجهات النظر إلا أنه يجب على البلدين الجلوس على طاولة الحوار والتوصل إلى الحد الأدني من المشتركات، سيكون النواة التي يمكن البناء عليها مستقبلاً، لترطيب العلاقات ، اصالح البلدين والمنطقة عموما".
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل ستثمر هذه الزيارة عن خلق جبهة خليجية — إيرانية، تهدف لحل المشاكل الإقليمية في سوريا واليمن، وتكون مستعدة لإفشال المشاريع الأمريكية في المنطقة سواء ضد إيران أو ضد دول الخليج العربي؟
