نرى أن القضية الفلسطينية التي تعُتبَر القضية الأم والمركزية كانت في مهب الريح، إن لم تكن في غياهب النسيان، ومفروضة على لقاء القمة بحكم الأمر الواقع الذي لا مفرّ منه أمام التحديّات التي تواجهها دول المنطقة، بعد أحداث ما يُسمّى "الربيع العربي" والتي استغلّتها إسرائيل وشركاؤها الإقليميين والدوليين لجهة تصفية القضية الفلسطينية ومحاولة نسف حق العودة والتوسّع الكبير للإستطيان الإسرائيلي، عدا عن اللغم الجديد الذي يتخوّف الجميع من انفجاره والذي تستخدمه بعض الدول كفزّاعة تعطيها المجال الكبير للمناورة في الحصول على أكبر قدر من المكاسب مقابل التخلّي عنه، وهو نقل السفارات إلى عاصمة فلسطين في القدس الشّريف، فيسقط الحامل الديني والتاريخي والإنساني والثقافي المقدّس للأمّتيَن العربية والإسلامية في رحاب إسرائيل دون أي متاعب وبغطاء دولي متواطئ، وهنا لم نرَ من المجتمعين سوى أنّهم عبّروا كالعادة عن دعمهم ومساندتهم للقضية الفلسطينية ووجّهوا رسائل خجولة إلى إسرائيل والمجتمع الدولي يطالبون فيها بعدم نقل السّفارات إلى القدس، دون أن يكون هناك أي رسالة حاسمة تحذر من مغبّة هذا الإجراء وما يمكن أن يترتّب عليه في الحقيقة من مواجهة ليست في مصلحة من يتبنّى هذا المشروع نظراً لعوامل شعبية ودينية وتاريخية لا يمكن أن تتسامح بها شعوب المنطقة ولو أذعن قادتها، هذا عدا عن أنّ مبادرة الأمير فهد بن عبد العزيز في عام 1981 التي رفضها حينذاك الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، قد باتت في متحف القضايا المنسية وتمزّقت في الشّكل والمضمون، زِد على ذلك المبادرة العربية في عام 2008 لم يجرِ لها أي عملية إنعاش حقيقي يترتّب عليه أي نتائج تنصف الشعب الفلسطيني، لابل كانت هناك دعوات أشبه بالترجّي نحو توحيد الجهود والتعاون لدعم مشروع حل الدولتيَن الذي إذا ما تمّ بالفعل في المستقبل لا أحد يدري ماهي مساحة الدولة الفلسطينية فيه وعلى أي أساس ستعيش وهي في كنف دولة أنشئت منذ عشرات السنين في قلب المنطقة وبقرار دولي لم يستطع حينها العرب أن يقدّموا أي إمكانية لمواجهة مسح الدولة الفلسطينية عن الخارطة الجغرافية والسياسية بالتقادم، وهذا ما نراه يحصل الآن والحديث عن القضية الفلسطينية ومفاعيلها الداخلية والخارجية يطول جداً وقد لا نرى نهاية لنفقه المظلم في ظل هذا التراخي والترهل العربي الذي انعكس بشكله العام على كل دول المنطقة التي قد يأتي وتدفع يوما ما الثمن باهظا إلى درجة لن يتحملها أحد منهم.
إيران نجحت في حرب الملف النووي إن صحّ التعبير، ومهما غالت أمريكا وهدّدت بأنّها ستلغي الاتفاق فهذا هُراء لأنّ الولايات المتحدة هي طرف في معادلة دولية توصّلت إلى هذا الاتفاق وليست الطرف الوحيد في المعادلة ولا يمكن لها التصرّف على حِدا، عدا عن المصالح التي ارتبطت بها شركات أوروبية وغربية مع هذا الملف بشكل عام بما فيها شركات أمريكية من خلال العقود التي تم توقيعها بعد فك الحصار عن إيران، فهل ستسمح هذه الأطراف بالتعدّي على مصالحها من قبل أيّاً كان قطعاً لا، ولاننسى الموقف العُماني النظيف من كل ما يجري وتحديداً أن دول الخليج والسعودية تحديداً قد خذلت المساعي العُمانية الكويتية لنزع فتيل النزاع بين إيران ودول الخليج بعد زيارة الرئيس روحاني إلى الكويت والرسالة التي وجّهها إلى دول مجلس التعاون يعبّر فيها عن استعداد إيران للحوار، ولا يغيب هنا أبداً عن البال قمّة الرئيسيَن "بوتين وروحاني" ولو أن توقيتها كان بمحض الصدفة إلا أنها كانت رسالة إيرانية روسية مشتركة للجميع بأن إيران لاعب وشريك استراتيجي لا يسمح بتعدّي الخطوط الحمراء معه تحت أي مسوّغ.
How is that #ArabLeague meeting going? pic.twitter.com/SSykQBWbM9
— EHSANI2 (@EHSANI22) March 29, 2017
كل هذه المفاعيل منعت القمّة أو بعض أطرافها من التوجّه إلى إيران برسائل تشبه ما كانت عليه الرسائل في الماضي من تحذيرات وحدّيّة وتهديدات وإلى ما هنالك.
بغضّ النظر عن لغة البيان الختامي، سورية قالت كلمتها في الميدان وكانت أبلغ الرسائل التي وجّهت إلى القمّة وأكثرها قوّة وجرأة وحزماً وتأثيراً، لبنان قال كلمته وكانت واضحة وفيها الكثير من الوعي والعقلانية والألم على واقع حال الأمّة، والأردن وقّع اتفاقات مع السعودية بقيمة 3,5 مليار دولار، لكن هل ستنفّذ السعودية وعودها؟ أم أنّ مصير هذه الاتفاقات والمساعدات لن يختلف عن مصير الاتفاقات أو المساعدات التي وعدت بها السعودية لبنان ومصر؟
عُقِدَت القمّة ورُفِعَت الجلسة وبقيت شعوب المنطقة تنتظر فرج الله، ريثما ينتهي الكباش ولعله لن ينتهي إلا بمعجزة إلهية يقدّرها الله، أو يرسل لها قائداً منقذاً تسير خلفه شعوب الأمة إلى ضفّة الحياة قبل أن يأتي الطوفان.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)