وأمام هذا الواقع، ضاق المواطنون العراقيون ذرعا، مع قلة وجود البدائل الناجعة، ومع فقدان الثقة بأي بديل يطرح تحت مظلة غياب المؤسسات الحقيقية، واحجام واضح من الدول في عملية الولوج إلى الداخل العراقي المعقد، نتيجة تشظي المجتمع وضعف الدولة في بسط سلطتها على مؤسساتها، التي تتنازعها الأحزاب والمتنفذين، إضافة إلى اتهام العراق بالانحياز الى دولة مجاورة دون الأخرى. هذه الأوضاع يبدو أنها كانت تحت المجهر السياسي السعودي، الذي بات ينظر إلى الأحداث في العراق بواقعية أكثر، وأصبحت المملكة على قناعة بأن سياستها السابقة زادت من الهوة بينها وبين العراق، وازدادت الأخير قربا من غريمتها إيران، كما وباتت تدرك أن الاقتصاد هو من يحرك السياسة، وليس كما كان في السابق، فقامت المملكة في الفترات الأخيرة بفتح قنوات العلاقات مع العراق وبمحرك اقتصادي اسمه الاستثمار، مستغلة انفتاح حكومة العبادي على دول الجوار، وجديتها في محاولة وضع العراق على الطريق الصحيح لبناء دولة المواطنة، ومحاربة هدر المال العام، الذي أوصل العراق إلى المراكز الأولى عالميا في حجم الفساد، لتتخطى السعودية بتوجهها نحو العراق عقدة الطائفية وانحياز بعض الجهات العراقية لإيران، ذلك أنها تعلم جيدا أن العراقيين متلهفين لأي خدمة تقدم لهم، ومن أي طرف كان. كما أن السعوديين أدركوا أن السياسة اليوم تقوم بشكل مطلق على البراغماتية، فزمن المبادئ ولى مع الاتحاد السوفيتي وانهيار الشيوعية. فهل فهمت السعودية اللعبة في العراق؟ اعتقد نعم، فهمتها، لذا أرسلت جيش المستثمرين، وهو، وبحسب اعتقادي، اقوى الجيوش التي تتسلح قليلا وتغنم كثيرا، إضافة إلى أن هذا الجيش يسلب قلوب الناس، ويجعلهم يقفون بصفه. وأمام هذا الواقع، فإن للسعودية فرصة كبيرة في اقتحام العراق اقتصاديا، في وقت يشعر فيه الأخير بامس الحاجة إلى العون والمال، فالخراب يعم المدن أينما تولي وجهك، والسعودية أكثر الدول مهيأة للعب دورالمساعدة في عمليتي البناء والاستثمار في مناطق العراق، وبغض النظر عن طبيعة التركيبة السكانية لمناطق بلاد ما بين النهرين، الذي لا يقل غنى عن دول الخليج مجتمعة.
وستقف السعودية أمام تجربتين، تجربة اليمن بإرسال جيشها الذي يحمل السلاح، وتجربة العراق بإرسال جيشها الذي يحمل المال وفرص الاستثمار، ولعمري، فإن فرصة النصر في التجربة الثانية أوضح وأسرع، والأيام كفيلة في إثبات ذلك.
(المقال يعبر عن رأي صاحبه)