وفي الوقت الذي ينتظر أطفال العالم "بابا نويل" وهو يحمل لهم في جعبته هدايا كانت يوماً "أمنيات" للأطفال، يتركها لهم في هدوء المساء ويرحل في صمت، أصبحت هذه الشخصية، مع استمرار دوامة الموت اليومي والجوع والحصار والخوف، ترفاً لا لزوم له، وإذا حضرت فإن حضورها يكون باهتاً بلا روح ولا فرح ولا حياة.
أطفال يتأملون "بابا نويل" أمام واجهات المتاجر، وآباء يوعدون أبنائهم بأيام أفضل، هكذا أصبح العيد في سوريا بعد خمس سنوات من الحرب والدمار.
الطفل الياس مازال يأمل أن يأتي "بابا نويل" ليقدم له هديته التي طلبها، ولازال ينتظر من أبيه أن يحضر شجرة الميلاد ليقوم بتزينها، وهو ما قد لا يحدث أبداً هذا العام.
إلياس ليس الطفل الوحيد الذي قبل بـ"كذبة" والده مضطراً، وليس الطفل الوحيد الذي سيحزن على مرور عيد الميلاد بلا شجرة زينة ودون "بابا نويل"، وإنما هناك العديد من أطفال سوريا الذين يحلمون بقدوم هذا اليوم، ولن يستطعيوا عيش تفاصيله كاملة نتيجة سوء الأحوال في سوريا.
أما الطفلة مريم فأمنيتها لهذا العام أن تشفى شقيقتها، التي أصبحت عاجزة بسبب قذيفة هاون نزلت على بيتها في منطقة باب توما بدمشق، ما أدى إلى أصابتها في قدميها.
أما عمار الطفل السوري الذي لم يتجاوز العشر سنوات، صدمنا عندما قال لـ"سبوتنيك"، "أطلب من بابا نويل هذا العام مسدسًا حقيقيًا، لكي إطلق النار على الذين قتلوا أخي في محافظة حمص، لأنه عسكري في الجيش العربي السوري".
ما بين القصص المحزنة التي أدمعت القلوب وأحزنتها، قصة ياسمين التي بقيت تنتظر أهلها لكي يأخذوها من المدرسة، ولكن الإرهاب "دخل" حارتهم في جوبر وقتل الأب والأم والأخ الصغير… هي تتمنى اليوم من "بابا نويل" أن يعود الأمان لمنطقتها علها تستطيع أن "تشم رائحة عائلتها" في منزلهم المدمر.
أما الطفل فؤاد ذو التسع سنوات الجالس بحضن أمه، فقال لـ"سبوتنيك"، "هل يمكن لبابا نويل أن يلقي على والدي الشهيد التحية ؟ أخبره أنه لا داع لأن يقلق، لأنني أعتني بأمي بشجاعة مثلما أوصاني، أخبره أنني أحبه"!
تحدثت الطفلة راما والدمع يتساقط على خدها مثل حبات اللؤلؤ، قائلة، "في مثل هذه الأيام كنا مشغولين بزينة بيوتتنا وشوارعنا بالنور والحب لاستقبال عيد الميلاد… ميلاد طفل السلام يسوع ، واليوم نحن بعيدون عن بيتنا وحارتنا… لذلك لا فرحة للعيد ولا بهجة للهدايا والأماني، فما يسعنا إلا أن نصلي على أمل المحبة والسلام علنا نستطيع العودة إلى منازلنا العام القادم".
وتمنت أن تتضامن القلوب وتذوب الأحقاد لتنبلج الأفئدة بالمحبة والفرح فقد أتى الميلاد، الذي يعيد المسافر لأهله ويقرب البعيد من أحبائه، "فهو رمز المحبة والتسامح والعطاء وهكذا يعلمنا سيدنا المسيح أن نمنح الحب بلا حدود وننسى الأحقاد والانتقام وأن نتذكر الفقير والمريض واليتيم… فعندما نكسو عرياناً ثوب حب، نكون في الميلاد وعندما نسقي عطشان كأس ماء، نكون في الميلاد، وعندما نزرع البسمة على شفة طفل يتيم، نكون في الميلاد".
الطفل جورج أنطونيوس، قال لـ" سبوتنيك"، "أنتظر هذا الموسم بفارغ الصبر لأنه يحمل المعاني الكثيرة… أرى في هذا العيد كل شيء جميل.. الشجرة والمغارة وبابا نويل، هذا الشخص الأسطوري صاحب الرداء الأحمر واللحية البيضاء الذي يحمل الهدايا للأطفال… فهديته لنا لها وقع خاص على قلوبنا لأنها تعطى من شخص محبب جداً الى قلوبنا ولاسيما أنه يمثل أحد القديسين الكبار، القديس نيقولاوس العجائبي الذي أحب الله وأحب كل مخلوقاته وخاصة الأطفال، فكان يقدم لهم الهدايا واللباس والطعام".
وأضاف، "أتمتع وأشعر بالغبطة عندما أساعد والدي في صنع المغارة وتزيين الشجرة… أشعر وكأني أعلق عليها كل أماني طالباً من طفل المغارة تحقيقها… أجمل شيء في العيد هو اجتماع العائلة كلها على مائدة المحبة التي تصنع من أيدي الأمهات أطال الله في عمرهن جميعاً، وأتضرع لطفل المغارة وبابا نويل ألا ينسوا أطفال سوريا".