دمشق —سبوتنيك
وتمكن مراسل "سبوتنيك" من الصعود داخل إحدى الحافلات فور وصوله إلى الأراضي السورية ليرصد أصوات الأهالي لحظة دخولهم بر الأمان الحقيقي من جديد، إذ كانت علامات الذهول من تصديق وصولهم إلى دمشق ولذويهم واضحة على الوجوه، حيث أكد الأهالي فور وصولهم لدمشق لـ"سبوتنيك"،" أن إرادة البقاء والحياة هي الأقوى، وغير مصدقين بعد بأنهم نجحوا في الخروج من قبضة الموت وعائدين إلى أهلهم وذويهم في دمشق، ولن تكمل الفرحة الحقيقة إلا عند فك الحصار الكامل عن كل أهالي القريتين… مشيرين إلى اللحظات الحرجة التي تعرضوا لها على الطريق منطلقين من القريتين حتى وصولهم بعد سفر طويل إلى الحدود السورية".
وتم نقل الأهالي مباشرةً إلى فندق "إيبلا الشام" على طريق مطار دمشق الدولي، وسط موكب سيارات ضخم رافق الحافلات حتى وصوله للفندق، وتمت مباشرة عملية نقل المصابين التي تستدعي حالتهم المشافي، وإعطاء الأهالي مساحة استراحة كبيرة، ليتمكنوا بعد حين من الرجوع إلى ذويهم بعد الانتهاء من الإجراءات المقررة في تفاصيل عديدة ضمن الاتفاق.
وفي حديث خاص للأهالي مع مراسل "سبوتنيك"، داخل الفندق ، أكد علي، أحد المقاتلين الجرحى "أن هذه لحظة تاريخية لأهالي القرية ولا شيء يمكن أن يردعهم عن الدفاع في بيتوهم وأرضهم، رغم كل الحصار والظروف المميتة التي تعرضوا لها من الحصار الخانق والقتال على محاور القرية الأربعة"
وتحدث حسين، قائلا "ما فعل به شباب القرية هو صمود أسطوري سوف يسجل في التاريخ… لا توجد كلمات تصف حالة الاستبسال التي قام بها أهالي القرية للبقاء على قيد الحياة ومنع الإرهابيين من مسلحي "جيش الفتح" الدخول إلى القرية… نحمد الله على كل شيء"
وأضاف حسن، متحدثا عن الإصابات، "أنا فقدت ساقي في أحد المعارك جراء قذائف الهاون على القرية، ويوجد عشرات المقاتلين الذين فقدوا أحد الأطراف في أثناء الدفاع عن القرية، وكل هذا لا يهم طالما انكسر الحصار عن أهلنا وبدؤوا بالخروج بعيدا عن حدود الموت الحقيقي في إدلب".
وقال زكي، أحد المقاتلين "معركة تاريخية لأبناء القرية… مستحيل أن ننسى ما حصل لنا، ومستحيل أن ننسى ما تعرضنا له، كل ما فعلناه هو الدفاع عن أرضنا من الإرهابيين الذين كانوا يريدون ذبحنا وسبي نسائنا لو تمكنوا من الوصول إلينا… وفي نهاية الأمر عدنا إلى أهلنا ولن تكمل الفرحة الحقيقية حتى عودة جميع الأهالي إلى أحبابهم وإلى الحياة العادية، ومن المستحيل أن نعود إلى حياة طبيعية، ما حصل لنا كفيل بعدم النسيان، ونحن لن ننسى ما حيينا شهداءنا وظروف حياتنا القاسية في الحرب"
وتحدثت أم علي، شارحة أفعال المسلحين عند خروج الحافلات من القريتين، "فور وصولنا إلى خارج أسوار القريتين، بدأت حواجز المسلحين بإيقافنا وصعود عناصرهم إلى داخل الحافلات، وقاموا بشتمنا عشرات المرات بالعديد من العبارات الطائفية والمذهبية وغير الأخلاقية، وتوعدوا لنا بالذبح يوما ما، وقام العديد منهم بسرقة جواهر ومعدات وكتب القرآن من بعض الجرحى والأهالي، قائلين إن على حد "وصف المسلحين"، فإن السرقة من أهالي الفوعة وكفريا هو حلال وواجب علينا".
أبو ضاهر، الذي خرج مع عائلته تحدث لـ"سبوتنيك"، " رحلة مميتة هي التي بدأت من القريتين وصولا إلى تركيا، حيث توقفنا لحوالي الخمس ساعات بين منطقة معرة مصرين في إدلب، وعند الحدود التركية، وانتظرنا لأكثر من خمس ساعات لتفتيش الحقائب والتأكد من الأسماء وإجراء العديد من الطلبات الأمنية على الحدود التركية، وفي هذه الأثناء حصلت عشرات حالات الإغماء بين الركاب والجرحى ومنعت السلطات التركية والمسلحين في الجانب السوري، من خروج أي أحد خارج الحافلة لتقضية أي حاجة له أو حتى ليأخذ القليل من الأوكسجين الطبيعي… وعلى ما يبدو كان هنالك اتفاقات حتى مع الأمن التركي، فلاحظنا سوءا في المعاملة غير الإجراءات التي تأخروا فيها قصدا دعا لانتظارنا ساعات عديدة في المطار قبل توجهنا جوا، إلى لبنان حيث كانت مسيرة موفقة وبدون أي مشاكل بعد انطلاقنا برا من مطار بيروت وصولا إلى منطقة المصنع وحتى وصولنا إلى بر الأمان على الحدود السورية… ولا أستطيع وصف شعورنا عندما رأينا الأعلام السورية ترفرف أمامنا وسط أصوات الفرحة التي تملأ قلوب من كان ينتظرنا من أهلنا وأقربائنا والعديد من السوريين الصادقين والذين وقفوا معنا في هذه المحنة الكبيرة".
وقال مدير صحة دمشق، لـ"سبوتنيك"، "إن مشافي دمشق جاهزة حاليا لاستقبال كل الجرحى والمصابين لنقلهم مباشرةً من الفندق إلى أجنحة المشافي المتخصصة، حيث وصلت العديد من الحالات التي تستعدي الإسعاف السريع، بينما البعض ممكن معالجته في المشفى، غير أن الإصابات البالغة التي تعرضوا لها والأمراض التي أصابتهم، كلها دليل على نقص الغذاء الواضح نتيجة الحصار وقلة الموارد الدوائية التي ساعدت في خلق العديد من الأمراض والذي سيقوم الأطباء من معالجتها سريعا".
يذكر أن تنفيذ الاتفاق جاء بعد جهود حثيثة شاركت فيها العديد من المنظمات كالأمم المتحدة وغيرها بالتعاون مع الحكومة السورية لإجلاء المصابين وإيقاف حقن الدم في البلدات المحاصرة، وتحاول الأمم المتحدة التوسط في اتفاقات محلية لوقف إطلاق النار، واتفاقات تتيح ممرات آمنة، كخطوات تجاه الهدف الأوسع وهو إنهاء النزاع المسلح في سوريا الذي قتل فيه ما يربو على 250 ألف شخص خلال ما يقارب الخمس سنوات من القتال.