تقول "فاطمة" لمراسل "سبوتنيك": لن أنسى لحظة اقتحام المسلحين لحينا في ريف دمشق، وقتل زوجي أمام أعين عائلته بحجة أنه متعامل مع الدولة السورية، في البداية أصابتني حالة من الهلع والخوف، امتنعت معها عن النزول من المنزل، ارتدت عيادة طبيب نفسي لمعالجة الأمر، ولكن قررت العمل والاستمرار من أجل أطفالي رغم كل ما يبديه المجتمع المحيط من تعاطف ، إلا أن هذا التعاطف مع "الأرملة" لا يعفيها من النظرة التقليدية للمجتمع، ففي ظل الحروب تولد الكثير من المشكلات الاجتماعية وتبرز ظواهر غريبة لم يعتدها المجتمع من قبل في حالاته الطبيعية، فنقص المال يمثل الصعوبة الكبرى، لذلك نكافح لسداد أجر البيت وإطعام الأطفال.
تختصر فاطمة كلاماً يطول عن واقع السوريات في زمن الحرب، لكن ما ينتظر المرأة السورية الوحيدة بعد رحيل الزوج أشدّ ألماً وصعوبة من مجرد الفراق.
وبشيء من التفاؤل تتابع قائلةً: استطعت تأمين ماكينة خياطة والتعاقد مع العديد من المشاغل بأسعار مناسبة، لطالما كنت مؤمنة بأنني أساوي الرجل في القرارات، والقدرة على تحمل المسؤولية.
مشغل فاطمة الصغير كان عماده نساء لم يسبق لهن أن عملن رغم أنه عبارة عن غرفة صغيرة ضمن منزل استطاعت استئجاره للعيش به مع أطفالها، حيث بدأت مشروعها الصغير مع نازحات تمكّنّ بفضل إصرارها استعادة جزء من التوازن الاقتصادي والنفسي الذي فقدْنَه بسبب الظروف القاسية التي فرضتها الحرب، فهن ربات بيوت، أو فتيات في مقتبل العمر، ومنهن لم يحسبن يوماً انهن سيتحولن إلى معيلات لأسرهن.
تكمل "فاطمة": بدأت بتعليم النساء مبادئ مهنة الخياطة، وكنت أبقى معهّن حتى ساعات متأخرة وأحرص على عدم التذّمر وندب الحظ، حيث انخرطت في العمل من أجل الخروج من مأزق (المعيشة الصعبة) وعندما أصبحن جاهزات للعمل بدأن صنع العديد من القطع الخاصة بالأطفال والنساء، على أن يتم بيعها للمحلات التجارية، والباعة المتجولين الذين يفترشون بضائعهم على الأرصفة.
يذكر أنّ عدد النساء العاملات بدأ مع الحرب في سوريا من /977/ ألف عاملةٍ ضمن إحصائيّاتٍ رسميّةٍ، ليتجاوز اليومَ السّقف المذكور بمئات الآلاف من العاملات سواءً الأمّيات أو حاملات الشهادات، واللواتي لم تُحدّد لهنّ نِسَبٌ ثابتةٌ، بسبب التزايد اليوميّ لأعدادهنّ بالتناسب مع ظروف الحرب القائمة والمعيشة الصعبة، وإنّ أكثر من نصفهنّ تعملن خارج المؤسسات الرسمية، والخاصة، بالزراعة وخدمات البيوت، ووُرَشِ الأعمال اليدويّة ومثيلها، أو بالأعمال الحرّة كالفنون، والصحافة، والمعارض والبازارات، وغيرها، كي تضمن استقلالها المادّي وتُعِيل أسرتها، وفي بعض الأحيان توفّر فرص العمل للآخرين.
وتبقى فاطمة نموذجاً يتكرّر في آلاف النساء السوريّات، اللواتي فقدْن الأمان والاستقرار، وباب الرزق ومُعيل العائلة، فأيْقَظْن داخلهنّ قسوة الرجال وشدّتهم لاحتمال مشاقّ الحياة الحاليّة، وتحدّي وِحْشة الفقر في زمن الحرب.