نبض الحياة يعود إلى حمص القديمة

نبض الحياة بدأ يعود تدريجيا إلى حمص القديمة مع عمليات إعادة الإعمار والتأهيل التي تشهدها المدينة القديمة والتي تعود بالتاريخ إلى العهدين الأيوبي والمملوكي.

حمص-سبوتنيك.
اللون الأبيض اعتلى جدران المدينة القديمة ليغطي اللون الأسود نتيجة حرق المجموعات المسلحة للمدينة قبيل مغادرتها إياها بعد اتفاق مصالحة عقدته مع الحكومة السورية عام 2014.

كما وانتشرت ورشات العمل في أنحاء المدينة القديمة لتعيد تأهيل كنائسها وجوامعها ومعالمها الأثرية والوسط التجاري المتمثل بالأسواق القديمة، والذي يكتسب خصوصية التواصل مع المدينة والريف.

بعد إخلاء المدينة القديمة من المجموعات المسلحة عادت الحياة إلى هذه المنطقة مع عودة حوالي 35 بالمئة من المهجرين إلى أحياء باب هود وبستان الديوان والحميدية والورشة، ما جعل البدء بعملية تأهيل الوسط التجاري في مدينة حمص ضرورة من أجل زيادة حالة التعافي وتطوير العمل في دعم العجلة الاقتصادية بعد عودة معظم مؤسسات الدولة إلى وسط المدينة، خاصة الاتصالات والبريد والمصرف المركزي والأمانة العامة للمحافظة و المصرف التجاري وأقسام الشرطة.
المهندسة ريم بعلبكي مدير دعم القرار والتخطيط الإقليمي قالت لمراسل "سبوتنيك"، بأن أعمال تأهيل المدينة القديمة بدأت منذ منتصف عام 2014، بعد خروج المجموعات المسلحة منها بأيام فقط، حيث تم البدء بعمليات ترحيل الأنقاض والتي بلغت حوالي 500 ألف متر مكعب، بالتوازي مع البدء بأعمال تأهيل البنى التحتية من كهرباء ومياه وصرف صحي وهاتف، حتى الآن تم تأهيل وترميم كنيسة أم الزنار ومدرسة الغسانية وقصر جوليا وقصر الزهراوي والجامع الكبير.

المهندسة بعلبكي أضافت أن السوق التراثي حاليا قيد التأهيل، إضافة إلى جامع الأربعين، كما يتم التنسيق مع وزارة الإدارة المحلية للتعاون مع المنظمات المانحة من أجل إعادة تأهيل وترميم المنازل المتضررة جزئيا في حمص القديمة بهدف التسريع في إعادة العائلات إلى منازلهم.
إلى جانب عمل بعض الجمعيات الخيرية الفاعلة في مجال التأهيل والترميم تم ترحيل حوالي 300ألف طن من الأنقاض بالمرحلة الأولى لفتح الشوارع وإعادة تأهيلها والبدء بتنفيذ خطة إعادة تأهيل الوسط التجاري بمدة تقارب العشرين شهرا لمدينة حمص، مع الحفاظ على الهوية التراثية لهذه الأسواق وحماية حقوق المالكين والشاغلين لتحويل الوسط التجاري إلى مول تراثي يهدف إلى جذب التجار والسياح.
محلات السوق الـ 13 تشغل حيزاً واسعاً (حوالى 40دونماً)، ويعود تاريخ تشييد جزء كبير منها إلى العهدين الأيوبي والمملوكي، كما أن جزءاً من تلك الكتلة يعود إلى الزمن العثماني.
مشروع إعادة تأهيل الأسواق التراثية بحسب القائمين عليه عمل على تقسيم السوق إلى 4 مراحل والدراسة الفنية لسقف السوق بينت أنه ليس أثرياً، وإنما أنشئ في الخمسينيات على شكل الجمالون، حيث كان بفترة قبل الخمسينيات، كان على شكل دائري، وتمّت الاستعانة بنقابة المهندسين لدراسة السلامة الإنشائية للسقف الحالي والتي أكدت ضرورة إزالة السقف لعدم تحقيقه السلامة الإنشائية وهو آيل للسقوط، وتم تنفيذ المرحلة الأولى في (شارع النوري-شارع المنسوجات- شارع الحرير) عن طريق الضرب بالرمل لتنظيف الجدران، وتركيب الأبواب، والطاقة الشمسية.
المشروع ركز على استبدال السقف القديم للسوق بسقف جديد على شكل قوسي مع التغطية الزخرفية بالتوازي مع العمل في المرحلة الأولى من المشروع إعداد الدراسات الفنية للمرحلة الثانية من منطقة الأسواق التي تتضمن القيسارية والخياطين والعطارين و المعرض والحدادين والفراء.
إعادة التأهيل تقوم على أسس تهيئة البيئة المناسبة لعودة الحياة للسوق من خلال تامين الأمن عبر تركيب أربعة أبواب رئيسية لمداخل السوق وإعادة تأهيل ما يقارب مئتي محل تجاري من تركيب أبواب سحاب ولوحات إعلانية موحدة وغير ذلك وإجراء أعمال التأهيل لسقف السوق المعدني بمساحة 2382 متراً مربعاً وإيجاد بيئة مماثلة للمول التجاري الحديث والحفاظ على الطبيعة التراثية للمنطقة وترميم المتعرض للأذى بالطرق العلمية الصحيحة وتوثيق كل العناصر والمفردات التراثية للمنطقة عبر الوسائل الحديثة وإعادة البنى التحتية بشكل كامل من كهرباء ومياه صرف صحي واتصالات والإنارة بالطاقة الشمسية.

إعادة تأهيل المدينة القديمة بحمص شجع الأهالي وأصحاب المهن الصغيرة للعودة إلى أعمالهم، ففي شارع الورشة بحي بستان الديوان عاد قصر جوليا دومنا الشهير لاستقبال زبائنه بعد أن تعرض للسرقة والحرق والدمار خلال فترة الحرب وتبدو السيدة رولانا طرابلسي صاحبة جوليا دومنا متفائلة بالخطوات التي وصلت إليها إعادة إعمار المدينة القديمة، حيث قالت لمراسل "سبوتنيك": "إن ما حصل في حمص أفضل مما كنا متوقعين على الرغم من أن إعادة الإعمار كلفت الكثير".
وأضافت "سهلت لنا الحكومة الكثير في إزالة الأنقاض وادخال مواد إعادة الإعمار ونحن اردنا القيام بهذه الخطوة لنشجع المطاعم وأصحاب الأعمال الأخرى بالعودة للعمل ما دفع الكثير من أهالي المنطقة للعودة إلى منازلهم بعد إعادة تأهيلها، حيث عادت في محيط المطعم فقط حوالي 24 عائلة وبالنهاية كل الأهالي سيعودون إلى منازلهم."
وتقول" المطعم كان محروقا بالكامل ومنهوبا وبعض الجدران كان مهدمة واستعنا بأمهر البنائين في حمص لاعادتها إلى وضعها السابق، العمل استغرق حوالي العامين وعندما دخلت إلى المطعم بعد خروج المسلحين من المنطقة كان المنظر فظيعا ولا يمكن تصديقه والدمار مسيطر على كل بقعة فيه ، هم سرقوا كل شيء حتى انهم سرقوا 90 صحنا نحاسيا تراثيا للسجائر كما سرقوا حتى الأسقف والأبواب المصنوعة من الخشب القطراني وباعوها في تركيا وما لم يستطيعوا سرقته قاموا بتحطيمه كآلة البيانو التي كسروها بالفأس."
السيدة طرابلسي كبقية السوريين كانت تخشى أن الحرب ستؤثر على اللحمة الوطنية بين أطياف الشعب السوري إلا أنها قالت "كانوا يريدون إعادتنا مئة عام للوراء ولكنهم فشلوا في ذلك وكل الطوائف تقصد المطعم ما يشعرك بأن مدينة حمص بدأت تتعافى والأمر الذي كنا نخاف منه لم يحصل، بالنسبة لمدينة محروقة وخارجة من الحرب ما يحصل هو جيد جدا و زبائننا من كافة أحياء حمص ".

خلال العهد الروماني كان للمدينة أربعة أبواب، هي باب الرستن وباب الشام وباب الجبل وباب صغير؛ قام العباسيون بإعادة بناء وترميم الأبواب وأضافوا لها ثلاثة جدد فأصبح العدد سبعة أبواب، ظلت موضع اهتمام الدول والسلالات المتعاقبة على حمص، حتى قام العثمانيون بهدمها خلال القرن التاسع عشر، وذلك تماشيًا مع توسع المدينة وازدياد قاطنيها، ولم يبق بعد القرارات العثمانية سوى باب التركمان والباب المسدود قائمان حتى اليوم.

خلف أبواب حمص، تقع المدينة القديمة والتي تحوي على مساجد وكنائس تاريخية إضافة إلى معالم ترقى للعهد المملوكي.
المدينة القديمة تقتصر على أحياء بستان الديوان وباب السباع وباب تدمر وباب الدريب وباب هود والحميدية والورشة ووادي السايح.
وتحتوي هذه الأحياء معالم أثرية أهمها كنيسة مار إليان و يوجد فيها ضريح القديس مار إليان وكنيسة أم الزنار و فيها زنار السيدة العذراء مريم وجامع وضريح خالد بن الوليد وقلعة حمص وضريح أبو فراس الحمداني وقصر الزهراوي وساحة الساعة القديمة.

وفي المدينة القديمة أيضاً، سوق الحرير و غيره من الأسواق القديمة ومتحف حمص وقصر الآغا وسيباط القاضي وسور حمص وحمامات الباشا و العثماني و العصياتي و غيرها من الحمامات القديمة وجامع النوريو والكثير من البيوت العربية القديمة التي تعود أغلبها للعصر المملوكي ومبنية من الحجر البازلتي الأسود.