ذلك الشاب النحيف من الجوع والخوف من المصير المجهول والذبح المفاجئ على يد "داعش" الإرهابي، خسر كل ما لديه من أموال ادخرها لأجل النزوح والهرب مع عائلته قبل أن يقع فريسة للدواعش ويمارسوا شتى أنواع التعذيب عليه حتى بات عاجزا عن المشي مرة أخرى.
التقت مراسلة "سبوتنيك"، في العراق، بعم الشاب أثناء رصد وضع العائلات التي تزايد أعداد نزوحها من أقضية "عانة وراوة والقائم" آخر معاقل "داعش" في غربي الأنبار، غرب البلاد، إلى مخيم 18 كيلو.
وأخبرنا العم وهو رجل كبير بالسن يبلغ من العمر 64 عاماً — كاسب من منطقة الكرابلة في قضاء القائم، استطاع الهرب مع عائلته حديثا، من قبضة التنظيم الإرهابي.
عقاب شديد
وروى العم "أبو حوراء"، قائلا ً "هربنا بعدما جمعنا كل ما نقدر عليه من فراش وغيرها لم نترك شيء إلا وقمنا ببيعه بسعر بسيط وهربنا في الليل تحديداً ما بعد الساعة 10، سارت بنا السيارات دون أضواء، وسط الرعب والظلام، والخوف يأكلنا تحسبا لظهور أي داعشي أمامنا وينتهي المصير بنا إلى السجن والإعدام مثلما حصل للكثيرين قبلنا،، لكننا تمكنا الهرب ووصلنا المخيم".
وعن عقوبة من يحاول الهرب من سيطرة "داعش"، في القائم، ذكر أبو حوراء، قصة أبن أخيه الذي لم يتمكن من النجاة ووقع بأيدي الدواعش الذين أشبعوه ضربا مبرحا في سجن استمر 10 أيام لم يخرج منها إلا وهو مصاب بعوق منعه من السير على أقدامه بعد، وأخذوا منه غرامة مالية قدرها 900 دولار أمريكي.
مجاعة
وبدأت المجاعة تضرب الأقضية التي يستولي عليها "داعش"، مثلما حصل في الموصل قبلها، والفلوجة، وغيرها من المدن التي شهدت موت الكثيرين من الأطفال بالذات جوعا وعطشا بسبب شحة الغذاء والحليب ونفاذها من خزين العائلات.
وقال لنا "أبو حوراء"، إن الوضع في القائم تعبان جداً بشكل عام، المواد الغذائية فقدت واختفت تماما من الأسواق، والمتوفرة أسعارها غالية جداً.
وكشف أبو حوراء، عن أسعار المواد الشحيحة التي أصبحت أسعارها مثل النار، مقارنة عن ما كانت عليه في وقت سابق قبل أن يستولي "داعش" على المدينة منذ ثلاثة أعوام، في 2014، فقد أصبح سعر علبة معجون الطماطم ذات وزن 400 غم، أربعة آلاف دينار، وكيلو السكر بـ3 آلاف دينار، وكيلو الشاي الذي يعتبر من المكملات والأساسيات في كل بيت عراقي، بـ16 ألف.
وحتى المشتقات النفطية هي الأخرى فقدت من الأسواق، الحال الذي جعل الحياة متوقفة تماما، في ظل الرعب غير المحتمل بعد من قبل العائلات التي باعت كل ما لديها من ممتلكات ومواشي وأغنام والهرب بالأموال نحو بر الأمان تاركين ورائهم بيوتهم التي اغتصبها "داعش" ويحولها حصونا له في المواجهة الأخيرة لوجوده واندحاره من كل العراق.
تكلفة الحرية
أغلب العائلات التي استطاعت الهرب والنجاة بأعجوبة، وصلت عبر سماسرة مهربين يتقاضون أموالا بالعملة الصعبة التي لا يصل لها إلا من باع كل ممتلكاته وجمعها سنتا.. سنتاً.
وتشابه الرقم المالي نفسه على لسان أغلب النازحين الذين قابلتهم في المخيم، وقالوا "يأخذ المهرب مبلغ قدره 250 دولار أمريكي، ويصل أحيانا إلى 300 دولار للفرد الواحد مقابل إخراج كل من يسعى إلى مغادرة مناطق سيطرة "داعش" الإرهابي".
وهذا ذكره لنا أكثر من نازح، منهم المواطن "كريم أبو طارق"، الذي وصل إلى المخيم مع عائلته المكونة من أربعة أفراد، دفع للمهربين 225 دولارا على كل فرد من أسرته، كما ألمح إلى أن تنظيم "داعش" الإرهابي ينفذ يوميا عمليات إعدام بحق المدنيين وفق تهم كيدية تتراوح ما بين التخابر ضده أو المحاولات للتحرر منه والهرب.
شاهد أخر
وشاهد أخر يدعى "سالم"في الثلاثينيات من عمره، من قضاء راوة، تحدث لنا، أيضا عن غلاء الأسعار الذي دمر كاهل العائلات وأفلسها، في القضاء وعانة والقائم، حيث وصل سعر كيس الدقيق إلى 40 ألف دينار عراقي، أي أربع أضعاف سعره الحقيقي.
وكيس الرز العادي، صار سعره 50 ألف دينار، والسكر شبه مفقود، وأن وجد فالكيس الواحد منه بسعر 85 ألف، وصفيحة الدقيق بوزن 12 كيلو سعرها 50 ألف، مثلما وضح لنا "سالم" مكتفيا ً بالقول "الأحوال في الاقضية مأساوي جداً، الناس لا تجد المال الذي يمكنها الهرب، ولا يسد جوعها".
معدل الهروب
وكشف مسؤول مخيم 18 كيلو، غربي الرمادي، جبار حميد، في تصريح خاص لمراسلتنا، عن معدل النزوح اليومي للعائلات الهاربة من بطش "داعش" الإرهابي في غرب الأنبار، إذ يتراوح عددها ما بيه (100-60) عائلة يوميا ً، وعدد الأفراح ما بين (500-400).
ويقول حميد، نحن في إدارة مخيم 18 نعمل ليلا ونهارا من اجل توفير كل ما يمكن توفيره، لاستقبال أهلنا النازحين من المناطق الغربية للأنبار، والتي تضم في رحلاتها باقي المحافظات "نينوى ومركزها الموصل، وديالى، وصلاح الدين، وبغداد".
وتابع، نحن كإدارة مخيم إمكانياتنا محدودة حسب الجهد المقدم — نستقبل النازحين ليلا ونهارا، هناك أرتال تصل إلينا في وقت متأخر من الليل، الثانية فجرا أو الثالثة، ولما متوفر لدينا إمكانيات محدودة جداً، نحتاج إلى جهد وتواصل أكثر.
وأعتبر حميد، الجهد الحكومي في ظل الوضع الحالي، قد يكون لا يلبي الطموح لكن نلتمس منهم خيرا ومن المنظمات الإنسانية وهي أهلا لهذه التوصية والمناشدة وتقديم جهد أكثر للنازحين.
المجازفة بالأرواح
ونبه حميد، إلى معاناة العائلات النازحة من المناطق الغربية، من السفر والإرهاق والخوف والتعب والويل والقهر الذي لاقته من "داعش" الإرهابي والضغط الذي سببه للمدنيين هم يجازفون في الوصول للمخيم سواء المجازفة بأرواحهم وأموالهم — هم باعوا كل ما يمتلكون، وافترشوا الطرق من اجل الوصول إلى هنا.
وأكمل، أن النازحين يلتمسون بنا خيراً، نقدم لهم الأحسن في ظل الوضع الذي مروا فيه لكن في بعض الأحيان نقف مصدومين وعاجزين عن تلبية احتياجاتهم وطموحهم لدرجة كثير من القصص تصادفنا في هذا المجال منها عائلة راحت ضحية القصف الذي سببه "داعش" الإرهابي عليها أثناء محاولتها الهرب.
مناشدة
وأشار حميد، إلى وصول عائلات أفرادها مصابين بجروح متفاوتة نتيجة القصف الذي يطالهم من قبل "داعش" الإرهابي، ومنهم من يصلون مرهقين ومتعبين وبحاجة إلى جهد إنساني وطبي ومعنوي أكثر ولكن في بعض الأحيان لا يلتمسون منا الكلام وهو لا يغني من جوع أو خوف، ولكن هذا الموجود للأسف!..لذلك ندعو ونناشد المنظمات إلى تقديم كل ما يمكن تقديمه للنازحين في ظل أزمتهم هذه.
الجدير بالذكر، أن أقضية غرب الأنبار المحافظة التي تشكل وحدها ثلث مساحة العراق غربا ً، عانة وراوة والقائم أخر معاقل تنظيم "داعش" الإرهابي في المحافظة التي خسر أغلب مناطق سيطرته فيها بتقدم كبير حققته القوات العراقية على مدى العامين الماضيين.
