هي الطفلة " سيلينا" ذات الست سنوات لم تكن تعلم أن القدر سيكون ضدها في زمن ولدت فيه لا يعرف معنى الطفولة والأمان، لم تدر أن فقدان الأب سيجبرها على خوض حرب لا نهاية لها، ولم تدر أنه سيبقى حاضرا معها بكل لحظة من حياتها من خلال الصورة المعلقة في منزل جدها الذي تسكن فيه، ورغم محاولات والدتها وأخيها الصغير بإشغال وقتها ما بين الدراسة واللعب ومشاهدة التلفاز كي لا يتملك اليأس قلبها، إلا أن المحيط بها يقوم بالمهمة عنها.
فقد قامت معلمة الصف بسؤال كل تلميذ من صفها عن مهنة الوالد لتدونها في سجلاتهم الدراسية، فاعتصر قلبها ألما، وزادت لوعتها عندما أجابت زميلاتها بفخر عن مهن آبائهن، وهي تحاول الاختباء كي لا يصلها الدور، ولا تدري ما الإجابة.
وقفت حائرة عندما وصل دورها، وقفت صامتة والمعلمة تنتظر الإجابة، بدت وكأنها أصيبت بصدمة، شفتاها مالتا للون الأزرق وعيناها عجزتا عن البكاء، ثم أسعفها قلبها القوي لتتحدى ضعفها وتجيب بكل إرادة واعتزاز "بابا شهيد"، ثم انهالت بالبكاء بعد ذلك.
خلفت الحرب في سوريا آلاف اليتامى، والثكالى، والإعاقات، وغيرها الكثير، فعندما كنا صغارا، تعلمنا في المدرسة أن كلمة شهيد لها معنى عظيم، ولا تطلق على أي إنسان، فالشهيد في الحرب هو من يقتل في ساحات المعارك ليدافع عن أرضه وعرضه، لكننا لم نتعلم أن من يقتل برصاص قناص هو شهيد، ومن يقتل بتفجير هو شهيد، ومن يقتل بقذائف حاقدة أيضا شهيد، ربما حينها لم يكن المجرم قد كشر عن أنيابه وأظهر فنونه في القتال.
مسحت " سيلينا" دموعها وقالت والغصة أخذت حيزا من نبرة صوتها: من يعيد لي أبي؟ من يعيد لي بسمتي، وفرحتي، من يشعرني بالحنان والأمان استشهد والدي قبل أرى النور، تعرفت عليه من خلال الصور، ولكن أخي يحدثني عنه ويقول لي خرج إلى دوامه ولم يعد.
لم تحص أي منظمة حقوقية أو خيرية عدد الأيتام الذين خلفتهم الحرب في سوريا بصورة دقيقة، إلا أن بعض الإحصائيات تشير إلى أنه تجاوز الـ800 ألف طفل، مع تزايد أعدادهم، الذي يعد أكثر خطورة من الأزمة نفسها، موزعين على المحافظات السورية ودول اللجوء المجاورة، فيما يؤكد اتحاد منظمات المجتمع المدني السوري، أن عدد الأيتام السوريين المسجلين في دور الرعاية يبلغ 475 ألف يتيم، يحظى القليل جداً منهم برعاية متكاملة.