وبينما كان بعض الفلاحون يستمرون في الذهاب على الطرق الزراعية بدراجاتهم والحافلات الصغيرة وقف المواطن صلال الحسين الحديدي من ريف الخفسة أمام بستانه المخضر والابتسامة أخفت تعابير الحزن عن وجهه فالإرهابيون كانوا في غاية القسوة والوحشية على بلده ومن ثم طاف ببصره على بستانه وهو يتحدث لـ"سبوتنيك" بأنه بعد قيام الجيش العربي السوري والقوات الصديقة والرديفة بتحرير حلب بدأ الفلاحون يعودون إلى ممارسة نشاطهم الزراعي الذي يعتبر مصدر رزقهم وحالياً يزرعون القمح والخضار بمختلف أنواعها ويتم ريها من مياه نهر الفرات التي تصل إلى الأراضي عبر الاقنية الإسمنتية، في حين توجد بعض القرى لم تصلها المياه والكهرباء.
وأوضح مدير زراعة حلب المهندس نبيه مراد لـ"سبوتنيك" أن عدد العائلات التي عادت إلى الريف الشرقي لحلب" السفيرة — الباب — مسكنة — منبج — دير حافر" بلغ نحو 40 ألف عائلة، حيث تعتبر محافظة حلب من المحافظات الرئيسية في سوريا بإنتاج المحاصيل الزراعية الاستراتيجية والأنواع المختلفة والوفيرة من الخضار والفواكه وذلك بسبب تنوع مناطق الاستقرار فيها من الأولى وحتى الخامسة إضافة لتعدد مصادر الري " آبار — انهار- بحيرات — مشاريع ري حكومية"، فهي تضم 10 مناطق إدارية منها 6 مناطق تحت سيطرة الجيش العربي السوري.
وبالرغم من وقوع مقر مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي في منطقة تماس واشتباكات مع العناصر الإرهابية المسلحة إلا أنه — بحسب مراد — تم الحفاظ على مقر المديرية وأرشفة كافة الثبوتيات المتعلقة بالعاملين وأتمتتها كما تم الحفاظ على الوثائق المتعلقة بأملاك الدولة وأتمتتها وحفظها ضمن سيديات، في الوقت الذي بلغت كميات الحبوب المسوقة ضمن المناطق المحررة من الموسم الماضي 2017/2018 من القمح 28962 طن لمؤسسة الحبوب و 496 طن لمؤسسة إكثار البذار بحلب حيث يبلغ المجموع 29458 طن، في حين بلغت كميات الشعير 387 طن لمؤسسة إكثار البذار بحلب 1431 طن لمؤسسة الأعلاف والمجموع 1818 طن ، ومن القطن 306 طن لمحلج تشرين.
ولم يخف مراد أسباب عدم تنفيذ الخطة بشكل كامل الذي يعود إلى تأخر وصول مياه الري في مشروع مسكنة غرب إلى ما بعد موعد الزراعة، والحاجة لتأهيل قنوات الري الفرعية في مشروع مسكنة شرق ومنشأة الأسد ومشروع سهول تادف والباب، إضافة إلى الحاجة لتفعيل دور المصارف الزراعية في الريف الشرقي للمحافظة، إضافة إلى عدم عودة الأهالي والمزارعين إلى قراهم المحررة، وصعوبة نقل مستلزمات الإنتاج من منطقة إلى أخرى، ووجود عدد من القرى ضمن مناطق الاشتباكات.
بينما تتمثل خطة عمل مديرية الزراعة في حلب لعام 2018 بتقديم التسهيلات اللازمة للترخيص الزراعي بالاعتماد على الكشوف الحسية في حال عدم توفر الوثائق الرسمية والعمل على تأمين مستلزمات الإنتاج الزراعي " بذور- أسمدة- محروقات-…." بالتنسيق مع الجهات العامة "المؤسسة العامة لإكثار البذار، المصارف الزراعية- المحافظة"، والتنسيق مع الجهات المعنية من أجل عودة المزارعين إلى أراضيهم أو استثمارها بالشكل الأمثل.
وتابع مراد: التنسيق مع الجهات المعينة " الفرق الهندسية" من أجل إزالة الألغام في حال تم اكتشافها، و التنسيق مع مديرية الموارد المائية لإيصال المياه لكافة الأراضي الزراعية، مع إعداد قوائم المستفيدين والإشراف على توزيع المساعدات المقدمة من قبل المنظمات الدولية، ومتابعة تنفيذ مشاريع إعادة الاعمار والمشاريع الإسعافية الموافق على تنفيذها من قبل لجنة إعادة الاعمار وتأهيل الدوائر والمراكز في الريف والمدينة، مع تقدير حاجة الثروة الحيوانية من الأدوية واللقاحات البيطرية ومواد الاختبار والمصول العلاجية ومستلزمات الإنتاج الحيواني في المحافظة، إضافة إلى إعادة تفعيل المشاتل الخاصة لإنتاج الغراس الحراجية المثمرة، والقيام بأعمال التحري الميداني في المحافظة والكشف عن انتشار الآفات الزراعية على المحاصيل المزروعة، والإشراف على تنفيذ الخطة التدريبية لعام 2018 المعتمدة من قبل وزارة الزراعة والتي تتضمن إجراء 43 دورة تدريبية، ووضع البرامج اللازمة في المحافظة لتعزيز دور المرأة وتمكينها من المساهمة الفاعلة في عملية التنمية الريفية من خلال توفير الظروف المناسبة لعملها وزيادة دورها في دخل الأسرة، ومنح التراخيص لإقامة مزارع تربية الحيوان والدواجن وفق الأنظمة والتعليمات النافذة، ومراقبة عمل العيادات البيطرية وتقويمها بالتنسيق مع الجهات المختصة.
وبالنسبة لإعادة إعمار المنشآت المتضررة وضمن الخطة الاسعافية لمديرية الزراعة تم رصد مبلغ 200 مليون ليرة لإعادة تأهيل وتجهيز المقرات التابعة للمديرية في الريف الشرقي وذلك بالشهر الثامن من عام 2017، إضافة إلى رصد 36 مليون ليرة لإعادة تأهيل مبنى الوقاية في الشهر 11 من عام 2017 كما تم رصد مبلغ 5 ملايين ليرة لإعادة تأهيل مبنى دائرة الإنتاج الحيواني في الشهر 7 من عام 2017، وخلال زيارة الوفد الحكومي لمحافظة حلب برئاسة رئيس مجلس الوزراء مؤخراً تمت الموافقة على رصد 1200 مليون ليرة سورية لمؤسسة الأعلاف فرع حلب لإعادة تأهيل وتجهيز معمل الأعلاف في تل بلاط ، ورصد مبلغ 1000 مليون ليرة سورية للمؤسسة العامة لإكثار البذار فرع حلب لبناء مركز غربلة ثابت لغربلة وتعقيم البذار في تل بلاط ، و1000 مليون ليرة سورية لإنشاء وتجهيز وحدة تبريد وتخزين البطاطا، ورصد 6000 مليون ليرة سورية لمجمع مباقر مسكنة و الزربة لإعادة تأهيل ثلاث محطات لتربية الابقار في منشاة أبقار مسكنة.
كما تم تفعيل العمل في 5 دوائر زراعية و 18 وحدة إرشادية، و تفعيل العمل في المركز الزراعي قرب مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي بحلب حيث تم زراعة بذور بعض الأصناف لإنتاج الغراس المثمرة " جوز بذري، لوز بذري، دراق، محلب، مشمش، تبن، رمان" و البدء بتفعيل العمل في مشتل حراج حلب حيث تم تعبئة الأكياس بالخلطة الترابية تمهيداً لزراعتها بالبذور الحراجية للموسم الصيفي، إضافة إلى أنه تم استجرار 50000 غرسة حراجية " صنوبر- زيزفون " لاستكمال تحريج موقع طريق حلب الرقة حيث يتم حفر الجور وزراعتها وسقايتها، وتمت مكافحة حشرة جادوب أعشاش الصنوبر في موقع حرم بحيرة الأسد، ويتم العمل حالياً لإنجاز مشروع البطاقة الذاتية الالكترونية للعاملين في المديرية علماً بأنه قد تم أرشفة بطاقات الذاتية الكترونيا وإحداث برنامج مؤتمت لبيانات كافة العاملين في المديرية.
أما عن تطور أعداد الثروة الحيوانية في محافظة حلب حيث بلغ أعداد الأبقار حسب إحصائية عام 2018 نحو 67247 رأس بقري، و 1978189 رأس غنم، و 222874 رأس ماعز.
وأشار الدكتور وليد الطويل من المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة إكساد إلى أن سنوات الأزمة أعادت القطاع الزراعي في سوريا إلى نقطة الانطلاق للأسف، فتراجع إنتاج كافة المحاصيل الزراعية وانخفضت أعداد الثروة الحيوانية إلى حدود من الصعب معرفتها بدقة وشملت الخسائر الجسيمة البنى التحتية وقنوات الري ومحطات ضخ مياه الري وتوليد الطاقة والآليات الزراعية ومنظومات البحوث الزراعية وإكثار بذار الأصناف الحديثة عالية الإنتاج والإرشاد الزراعي والمصارف الزراعية التي توفر التمويل والإقراض للفلاحين ووسائط النقل وصوامع الحبوب ومستودعات ومحالج القطن وغيرها، والأهم من ذلك هجر الفلاحين لأراضيهم وتناقص أعداد الخبراء الزراعيين العاملين في مختلف مؤسسات الدولة وخاصة في البحوث الزراعية وإكثار البذار والأيدي العاملة الزراعية المدربة، وبالرغم من هذه الخسائر الجسيمة إلا أن هذا القطاع بقي متماسكاً إلى حد مقبول في العديد من المناطق واستطاع أن يسد حاجة السوق من الخضار والفاكهة والحمضيات والزيتون واللحوم وغيرها، الأمر الذي يؤشر إلى إمكانية النهوض ثانية.
وأشارت دراسات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة / الفاو لعام 2017 إلى أن خسائر القطاع الزراعي تقدر بنحو 17 مليار دولار) قيمة أضرار البنى التحتية والآليات الزراعية وخسائر الإنتاج ومع كل هذه الأضرار لا تزال الزراعة تساهم بنسبة 26 % من مجمل الدخل المحلي)GDP ).
وتتطلب إعادة الإعمار بحسب د. الطويل جهوداً وإمكانيات كبيرة لحصر الأضرار بدقة (ماديا وماليا) والتخطيط وتأمين وسائل التنفيذ والتمويل ضمن المحاور الأساسية التالية حصر الأضرار في البنى الزراعية التحتية والمؤسسات والقوى البشرية والخبرات والمهارات، و تحديد الأولويات والأهداف، وضع الخطط التنفيذية مركزيا وعلى مستوى المحافظات تتضمن العناصر التالية تحديد الأولويات والأهداف البنى التحتية إعادة تأهيل القرى القوى البشرية التدريب، ومشاركة المؤسسات الحكومية ذات العلاقة بالزراعة والفلاحين والخبراء والقطاع الخاص في وضع خطط إعادة الإعمار، رصد التمويل اللازم للتنفيذ، تفعيل المؤسسات الزراعية الحكومية وخاصة البحوث الزراعية والإرشاد الزراعي وإكثار البذار والأعلاف والمصارف الزراعية، وتوفير التسهيلات للقطاع العام لاستيراد المواد الزراعية والآليات الزراعية والأعلاف.
وكذلك دعوة بيوت التمويل العربية والدولية والجهات المانحة ورؤوس الأموال السورية للمساهمة في إعادة الإعمار مع الابتعاد ما أمكن عن المديونية التي كانت من أسباب قوة الاقتصاد السوري واستقلال القرار مع ضرورة مراعاة، الإيمان أن الزراعة كانت ولا تزال المحرك الأساسي والملاذ الآمن للاقتصاد السوري، بسبب التغيرات المناخية يجب العمل ما أمكن على استدامة الموارد الطبيعية الزراعية وخاصة المياه والمراعي، الاهتمام بالفلاحين ومربي الحيوانات الزراعية وتقدير جهودهم وإيفائهم حقهم من خلال الأسعار العادلة لمنتجاتهم، و استمرار قيام الدولة بتسعير المحاصيل الاستراتيجية وشرائها من الفلاحين، و تحديث طرق الري في الزراعة، والاهتمام الكبير بالبحوث الزراعية وتطبيق نتائجها في الحقل، التدريب المستمر للفلاحين على أحدث التقنيات الزراعية.