في البداية تقول "كوثر" المقيمة في مدينة السادس من أكتوبر الواقعة بمحافظة الجيزة، إنها على الرغم من اشتياقها للعودة إلى دمشق، التي فارقتها قبل 7 سنوات، إلا أن مستقبل شقيقها يمنعها من ذلك، خاصة أنها فقدت والدها في سوريا ولا تعرف عنه شيئا منذ أن غادرت الوطن، وأن شقيقها الذي يدرس بكلية الصيدلة لا يمكنه العودة إلى وطنه سوريا تخوفا من ضمه لقوات الجيش، وهو الأمر الذي يجعل الفتاة ووالدتها وأسرتها لا يفكرون في العودة إلى دمشق مرة أخرى.
تتابع، أنها اعتادت الحياة في مصر، وأنها تفكر في البقاء حتى استقرار الأوضاع في سوريا، والتأكد من عدم طلب شقيقها للجيش، وهو أمر مستبعد خلال السنوات المقبلة حسب قولها.
في مدينة السادس من أكتوبر تسكن سيدة أخرى، وهي أم لثلاثة شباب وفتاة تسمى "منال، ق"، خرجت من الرقة مع بدء سيطرة تنظيم داعشى الإرهابي (المحظور دوليا) عليها، بعد أن أيقنت أن مصيرها أو مصير أبنائها القتل من قبل تلك الجماعات.
تضيف في حديثها إلى "سبوتنيك"، أنها واجهت صعوبة كبيرة خلال عملية خروجها من سوريا ووصولها إلى مصر، وأنها ظلت تعاني لفترة طويلة إثر عدم منحها السلة الغذائية الممنوحة من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ولم تحصل على الراتب أيضا، ما دفعها إلى وقف أطفالها عند الدراسة واتجاههم للعمل، حتى يستطيعون الانفاق على الأسرة التي تعولها، نظرا لارتفاع الإيجار وتكاليف المعيشة اليومية من مأكل وملبس.
تؤكد أن العودة إلى سوريا باتت مستحيلة، في ظل تغير الأوضاع في الداخل السوري، وهو ما يشكل خطورة كبيرة على أبنائها حال العودة، وأن الرقة لم تعد صالحة للحياة لبضع سنوات، فيما تظل تكاليف الحياة هناك مستحيلة بعدما هدم منزلها في الرقة.
تعيش في منزل متواضع، به الأشياء الأساسية فقط للحياة، وتنتظر المعونة الغذائية المنقطعة من المفوضية لتعينها على مواجهة متطلبات العيش.
من أكتوبر للعبور، داخل شقة من غرفتين يقتنها نحو 10 أفراد، تقول أماني التي تجلس على ماكينة الخياطة لساعات، إنها تتذكر أخر لحظة خرجت فيها من سوريا في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، بعدما شعرت أن حياتها وحياة أبنائها في خطر، فقررت الخروج مع أسرتها تاركة زوجها الذي لا تعرف إن كان حيا أو ميتا حتى اليوم.
تضيف، أن اللحظات الموت التي كانت تشاهدها كل لحظة في سوريا، جعل أي شيء بعد ذلك يبدو هينا، إلا أن جلوسها مع أهلها بأبنائها يجعلها دائما تشعر بالخجل والحزن، خاصة أن شقيقها يتحمل مصروفاتها هي وأبنائها، نظرا لعدم استطاعتها العمل، أو تدبير مصروفات الأبناء من أي جهة مسؤولة عن ذلك.
توضح، أن الأهل اعتادوا الحياة في مصر، خاصة مع وجود مئات العائلات في منطقة العبور، الذين أسسوا مشروعاتهم من أجل البقاء في مصر، وأن البعض ذهب إلى سوريا وعاد مرة أخرى، بعدما وجد صعوبة في الحياة والعمل هناك، خاصة أن الحرب لم تنته بعد.
تشير، إلى أن كل ما يشغلها هو مستقبل الأبناء، حال استقرارهم في مصر أو عودتهم إلى سوريا بعد سنوات، وأن ما يزيد حيرتها هو أن الأهل يفضلون البقاء على العودة رغم كل الظروف الصعبة التي واجهتهم، وأن بعض العائلات تفكر جديا في البقاء في مصر، بعدما استقرت أوضاعهم بشكل أفضل.
بمنطقة قريبة من مدينة العبور، وهي منطقة العاشر من رمضان التابعة لمحافظة الشرقية، تعيش" روعة ، م "هي وأبنائها الأربعة منذ العام 2012، حتى اليوم، يعمل نجلها الأكبر في أحد المطاعم، ويدرس الثلاثة في مراحل تعليمية مختلفة، حيث يتحمل الابن الأكبر الإنفاق على أشقائه وكذلك مصروفات المنزل، فيما تعمل الأم في بعض المهام اليدوية للمصانع الصغيرة في المنطقة الصناعية، مقابل نسبة من الأموال تساهم في التكلفة الشهرية للمصروفات.
تؤكد أنها رغم صعوبة ظروفها، قطع "المفوضية" عنها المعونة الغذائية، فضلا عن انقطاع الراتب الشهري، ما ساهم في مضاعفة الجهد في العمل على الابن والأم.
تشير إلى أنها لا تخشى العودة لسوريا، خاصة أنها لا يوجد أحد من أهلها في مصر، وأنها لا تخشى الموت على تراب وطنها، خشية أن تموت في مصر ولا يعرفها أحد، أو أن يعيش الأبناء غرباء للأبد.
تؤكد أنها حريصة على متابعة كل ما يدور بسوريا يوميا، خاصة في حلب التي ولدت فيها، إلا أن ما يؤخر عودتها هو الاطمئنان بأن الأوضاع استقرت، خشية أن يقتل أحد أبنائها، أو يتعرض لأي مخاطر في ظل تواجد العناصر الإرهابية والمواجهات وانتشار السلاح.
وتشير إلى أنها لم تشعر في مصر بالغربة، إلا أن شعور الوطن الأم لا يمكن تعويضه، وأن قسوة الظروف في الوطن تختلف عن قسوتها في وطن آخر، وتؤكد أنها عازمة على العودة حتى وإن تأخر الموعد كثيرا.