في 17 أبريل/ نيسان 1963، وقع زعماء مصر وسوريا والعراق وثيقة قيام الجمهورية العربية المتحدة، في وقت خرجت الجماهير في بغداد ودمشق ومصر تعبر عن فرحتها بالدولة الجديدة، وتعالت هتافاتها بحياة الوحدة العربية والحرية والاشتراكية.
يسجل التاريخ أن الوحدة الثلاثية قامت على أنقاض الوحدة السورية المصرية التي انتهت قبل هذا بعام تقريبا، إذ أعلن انتهاء الوحدة العربية (السورية المصرية) في 28 سبتمبر 1961، نتيجة لخلافات في إدارة الجمهورية المتحدة التي تضم مصر وسوريا.
ويحكي عيسى في مقال تاريخي له، عن الفترة التي سبقت إعلان الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق، فيقول: "…لم يكن قد مر على الانفصال —الذي أدى إلى تفكيك الوحدة المصرية السورية في 28 سبتمبر 1961- سوى أقل من عام ونصف العام، حين قام الجيش العراقي في 8 فبراير 1963، بانقلاب أسقط حكم عبد الكريم قاسم، الذي رفض الانضمام إلى جمهورية الوحدة، ورفع شعار "جمهورية لا إقليم"، ولم يكتف قادة العراق الجدد بالإعلان عن أنهم يسعون إلى تحقيق الوحدة العربية، بل وحرصوا على تأكيد ذلك فأسرعوا بعد أسبوعين من قيامها بإرسال وفد رفيع المقام، إلى القاهرة لكي يشارك في الاحتفال بعيد الوحدة في 22 فبراير 1963".
وعلى الجبهة السورية يقول عيسى: "… بعد أسبوعين آخرين فاجأت العناصر الوحدوية في الجيش السوري الجميع، بالقيام بثورة أنهت حكم الانفصاليين الذين فككوا الوحدة المصرية — السورية، ليعلنوا أنهم يسعون لتحقيق الوحدة العربية، وتندفع الجماهير السورية إلى الشوارع في تظاهرات عارمة، تطالب بإعادة الأوضاع في سوريا إلى ما كانت عليه قبل وقوع مؤامرة الانفصال، حين كانت الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة".
هكذا بدا أن حلم الوحدة الثلاثية بات على وشك التحقيق، وبالفعل وصل وفدان سوري وعراقي إلى القاهرة بعد أسبوع واحد من الثورة السورية، واجتمعا مع الرئيس جمال عبد الناصر، لتكون بداية لسلسلة اجتماعات مشتركة وصلت إلى 19 اجتماعا على مدار شهر كامل، نوقشت فيها كيفية إقامة الوحدة وتجنب الأزمات التي أدت إلى إنهاء الوحدة السورية المصرية في السابق.
يقول أحمد بهاء الدين في كتابه "أزمة اتفاقية الوحدة الثلاثية" إن أعضاء الوفدين السوري والعراقي، لاحظوا في أول اجتماع، أن جمال عبد الناصر ليس متعجلاً لإنجاز الاتحاد، وأنه قال "إنها مهمة لا يمكن إنجازها دون إعادة تقييم تجربة الوحدة المصرية السورية التي لم تعش سوى 44 شهراً، خاصة أن حزب البعث، الذي شارك في تلك الوحدة، أيد الانفصال في بدايته".
وبحسب وثيقة "اتفاق الوحدة الثلاثية" لقد "كانت ثورة الثالث والعشرين من يوليو/ تموز نقطة تحول تاريخي اكتشف فيها الشعب العربي في مصر ذاته واستعاد إرادته فسلك طريق الحرية والعروبة والوحدة. وجلت ثورة الرابع عشر من رمضان وجه العراق العربي الصريح وأنارت سبيله إلى آفاق الوحدة التي استهدفها المخلصون في ثورة الرابع عشر من يوليو/ تموز. ووضعت ثورة الثامن من مارس/ آذار سوريا في رحاب الوحدة التي اغتالتها ردة الانفصال الرجعي بعد أن حطمت هذه الثورة كل العقبات التي ركزها الانفصاليون والاستعمار بتصميم في طريق الوحدة".
وفي وثيقة الوحدة الثلاثية تم الاتفاق على أن "تقوم دولة اتحادية باسم الجمهورية العربية المتحدة على أساس الاتحاد الحر بين كل من مصر وسوريا والعراق وتكون أسماء الأعضاء بالدولة الاتحادية القطر المصري والقطر السوري والقطر العراقي".
وكذلك اتفقوا على أن "يكون لكل جمهورية عربية مستقلة تؤمن بمبادئ الحرية والاشتراكية والوحدة الحق في أن تنضم إلى هذه الدولة بإرادة شعبية حرة ويتم الانضمام بعد موافقة السلطة الدستورية في الدولة الاتحادية".
وأكدت الوثيقة على أن تكون عاصمة الدولة مدينة القاهرة (المصرية)، و أن يكون لمواطني الدولة الاتحادية جنسية واحدة هي الجنسية العربية يتمتع بها كل من يتمتع وقت قيام الدولة بجنسية الأقطار الأعضاء وتنظم أحكامها بقانون اتحادي.
وشرحت الوثيقة كيفية إدارة الدولة الاتحادية وعلاقات المؤسسات فيها.
في ذكرى توقيع ميثاق الوحدة الثلاثية بين مصو والعراق وسوريا في ١٧ ابريل (نيسان) ١٩٦٣ ويبدو الرؤساء الثلاثة جمال عبدالناصر واحمد حسن البكر رئيس وزراء العراق ونور الدين الاتاسي رئيس سوريا للاسف الوحدة لم تستمر سوى اسابيع وتم وأدها في مهدها نتيجة الخلافات بين عبدالناصر وحزب البعث!! pic.twitter.com/0yxfUxN9iT
— ArabicWriter (@ArabicWriter1) April 17, 2019
لكن كل ما سبق كان مجرد "مناورة" بحسب وصف الرئيس جمال عبد الناصر نفسه، ووصف عبد الناصر كان ردا على حملة بعض الصحف السورية التي بدأت بعد أيام من توقيع الاتفاق الوحدوي، حيث نشرت صحف سورية تندد بالاتحاد الاشتراكي العربي في مصر، وتصفه بأنه مجرد "لملمة عمال وفلاحين"، وفي الجهة المقابلة رد صحف القاهرة وهاجمت حزب البعث السوري.
وقامت صحيفة "الأهرام" الحكومية في منتصف مايو/ أيار 1963 في نشر النص الكامل لمحاضر مباحثات الوحدة وما دار فيها، ثم قامت الإذاعات المصرية بنقل ما جاء في "الأهرام" لكل أنحاء الوطن العربي.
وفي 17 —4- 1963
— محمد عواد احمد (@eHCQeu5bA58C9lH) April 17, 2019
تم تغييرالعلم العراقي بعداعلان الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق
نجمة واحدة بلون اخضر لمصر غيّره السادات الى نسر
نجمتان بلون اخضرلسوريا و زال
ثلاث نجمات بلون اخضر للعراق ازالتها جكومة الاحتلال
على اساس انها تمثل شعار حزب البعث وحدة حرية اشتراكية
وما اغباهم pic.twitter.com/qf94upe22O
وجاءت الساعة الفاصلة حينما كان جمال عبد الناصر يخطب في القاهرة احتفالا بعيد الثورة، 23 يوليو 1963، استعرض الظروف التي تم فيها التوصل إلى ميثاق الوحدة الثلاثية، واتهم حزب البعث السوري بأنه لم يكن جادا في الوحدة، وأنه جلس مع الوفدين السوري والعراقي تحت ضغوط المظاهرات الشعبية التي كانت تطالب بالوحدة، في الوقت الذي لم يكن قد أحكم قبضته بعد على الحكم في البلاد، وما كاد ذلك يتحقق حتى بدأ يهاجم الوحدة ويسعى لإفشالها، واختتم عبد الناصر خطابه معلناً انسحاب مصر من ميثاق الوحدة الثلاثية.