طرابلس-سبوتنيك. وتدخل الاشتباكات المسلحة الدائرة في جنوب وجنوب شرقي العاصمة طرابلس شهرها الثاني، وسط تصعيد عسكري كبير، وحرب شوارع، وكر فر في عدة مناطق معظمها سكنية.
وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون، فإن عدد الأشخاص المتضررين من القصف العشوائي وإطلاق النار الكثيف أجبر أكثر من 42 ألف شخص على الفرار من ديارهم.
ويعرف العسكريون في جانب حكومة الوفاق الليبية المتمركزة في طرابلس، مناطق القتال بثلاثة محاور رئيسية: عين زارة، والعزيزية، وصلاح الدين، وهي مناطق مدنية تحولت لجبهات قتال، وثكنات عسكرية، ومواقع عمليات تشغلها عدة مجموعات قتالية منضوية تحت مظلة قوات حكومة الوفاق المعترف بها.
على الرغم من العراقيل العديدة التي وضعت في طريقنا، تمكنا من التجول بين محوري صلاح الدين، والعزيزية، واجهنا في بعض المناطق تحفظا كبيرا من جانب العسكريين، ورفضهم للتصريح أو السماح لنا بتصوير الاشتباكات الجارية وراء السواتر الترابية التي أقيمت في طريق التقدم نحو الخطوط الأمامية لإطلاق النار.
في السبيعة شرقي العزيزية، حيث تشهد المنطقة تقدما لقوات حكومة الوفاق الوطني، قال القائد الميداني من كتائب الزنتان هارون الزنتاني لوكالة سبوتنيك "قوات المتمرد [قائد الجيش الليبي خليفة حفتر] تراجعت للوراء عدة كيلومترات، وتمكنا من تعزيز تقدمنا على مدار الأيام القليلة الماضية بعد التوغل الكبير الذي أحرزته قواته".
تقع منطقة السبيعة شرق منطقة العزيزية، المعروفة بكونها أكبر مركز لتجارة المواد الغذائية في طرابلس العاصمة، وتحوي عددا كبيرا من المحال التجارية المعروفة بسوق الجُملة، إلا أنها أيضا تقع على بُعد نحو 50 كيلومترا غرب مدينة ترهونة التي يُحكم "اللواء السابع" المعروف محليا باسم "الكانيات" السيطرة عليها، وهي من أبرز المجموعات القتالية الموالية للجيش الوطني غربي البلاد.
يعلق هارون الزنتاني على ما آل إليه التحالف السابق مع الكانيات، قائلا "كنا القوة الضاربة لحفتر في الغرب، معروفون بشراستنا في القتال، وكنا نسانده ونريده، لكن ليس بهذه الطريقة"، موضحا "هو يهدف للحكم فقط، لا يبحث عن شيء آخر، ولا عن مصلحة الجيش الوطني".
أضاف الزنتاني "نعرف كيف تقاتل الكانيات، قتلوا مئات من الناس عندما دخلوا المدن، في ترهونة وغريان وغيرها، هم عبارة عن مليشيات لتصفية الناس، من يخالفهم يُقتل".
وكان الجيش الوطني أعلن خوضه لحرب تطهير الجنوب الليبي من الإرهاب ومليشيات تهريب المخدرات والاتجار بالبشر، إلا أن الأشهر القليلة الماضية شهدت سيطرته على مدينتي غريان وترهونة، اللتان تعتبران المدخل الرئيسي لطرابلس من ناحية الجنوب.
كنا نتحدث مع الزنتاني قرب كوبري السبيعة الرئيسي الذي سيطرت عليه قوات حكومة الوفاق لتوها، حيث كانت تدور اشتباكات شرسة بالأسلحة الثقيلة والمدفعية على مدار اليومين الماضيين في هذه المنطقة، بالإضافة إلى القصف الجوي الذي استهدف مقرات مدنية وعسكرية على حد سواء.
وشهدت منطقة السبيعة أثناء تواجدنا تحليقا مكثفا للطائرات الحربية، وكانت التحذيرات تأتي للمقاتلين عبر أجهزة اللاسلكي لالتزام مواقع مموهة، لاستهداف تلك الطائرات بأسلحة "م.ط 23 ملم" المنتشرة والمثبتة على ظهر عشرات من سيارات الدفع الرباعي.
هناك وقف قائد في كتيبة 166 مصراتة الموالية لحكومة الوفاق الوطني، خالد المصراتي، قائلا "مختلف المحاور شهدت هدوءا نسبيا اليومين الماضيين، والاشتباكات متقطعة في ظل تقدم وسيطرة لقوات حكومة الوفاق"، متابعا "قوات المتمرد حفتر تراجعت عدة كيلومترات للوراء".
وأضاف المصراتي "قوات حفتر تستخدم مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتطورة، نقف الآن قرب منطقة سكنية، لكنهم استخدموا مدفعية الدبابات، وصواريخ غراد"، موضحا "اليوم خرجت أسرة كاملة نحو 5 أفراد من منزلهم بعدما أرهقتهم الحرب، ونفد الماء والغذاء لديهم، والأغلب أنهم تمكنوا اليوم فقط من الخروج في ظل الهدوء النسبي للاشتباكات وتقدم قواتنا في المنطقة".
وتابع المصراتي "الأمور السياسية لا تخصنا، نحن كجيش لا نتحدث عنها، لكن ما حدث الآن هو فشل رسمي للحل السياسي، والعودة لحمل السلاح والدفاع عن مدينتا العاصمة الليبية طرابلس، والمدنيين فيها".
ويقع محور السبيعة أيضا في منطقة وسطى بين نقاط تمركزات وسيطرة قوات الجيش الليبي، فهو على بعد كيلومترات معدودة عن قصر بن غشير التي بات يسيطر عليها الجيش، وسوق الخميس امسيحل التي تخوض فيها قوات حكومة الوفاق الوطني اشتباكات شرسة في ظل تقدم قوات الجيش، بينما يظل المحور الأصعب بالنسبة لقوات حكومة "عين زارة" الذي منعنا من دخوله للتغطية الصحفية، ونحن على مشارفه، في الوقت كانت تصل فيه أصوات المدفعية والنيران إلى مسامعنا.
وكعادة جبهات القتال، تدور شائعات وأنباء غير مؤكدة بين المقاتلين، وكانت جبهات تقدم حكومة الوفاق تعج بأنباء أسر جنود "عرب" غير ليبيين من وسط الاشتباكات، وهو ما كان يؤجج حدة القتال، ويرفع من معنويات المقاتلين، فيما أضاف أحدهم "أسرنا العديد منهم، ومنهم من كان يعتقد بعد تقدمنا نحوهم أننا من الجيش، كلنا ليبيين في النهاية، فنتمكن من أسره، أو قتله، ولدينا شواهد وأدلة من الذخائر التي تركوها وراءهم وهربوا، أو حتى من بطاقاتهم التعريفية التي وجدناها معهم".