وتخيم حالة من الغموض على الأوساط السياسية التونسية، في حين تجري حركة النهضة، الفائزة بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، مشاورات واتصالات مكثفة لحسم الجدل واختيار الشخصية التي سترشحها لرئيس الجمهورية قيس سعيد، لتكليفها برئاسة الحكومة.
كانت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية أعلنت، الخميس الماضي، النتائج النهائية للانتخابات التشريعية بينما دعا رئيس مجلس نواب الشعب بالوكالة عبد الفتاح مورو الأعضاء الجدد المنتخبين للاجتماع في الجلسة العامة الافتتاحية المقرر عقدها الأربعاء المقبل.
مناورة سياسية
وقال المحلل السياسي عبد السلام زبيدي، لوكالة سبوتنيك": "الأجل الدستوري للإعلان عن المرشح لرئاسة الحكومة ينتهي الجمعة المقبلة"، موضحا أن "مجلس شورى حركة النهضة أنهى أشغاله في وقت متأخر ليلة أمس، وقرر ترشيح راشد الغنوشي لرئاسة البرلمان، بينما تمسك بحق الحركة في اختيار رئيس الحكومة".
وأضاف زبيدي "حركة النهضة تقوم بمناورة أو تكتيك سياسي، فهي تريد انتخاب الغنوشي في رئاسة مجلس نواب الشعب، ثم تعلن رئيس الحكومة، أي أنها لن تفصح عن مرشحها لرئاسة الحكومة إلا بعد انتخاب رئيس البرلمان أولا"، متابعا "لا أعتقد أن الحركة سترشح شخصا من قياداتها، وإنما شخصية قريبة منها وتحظى بموافقة الشركاء المحتملين وهم ائتلاف الكرامة، والتيار الديمقراطي، وحركة الشعب".
ويتكون مجلس نواب الشعب للتونسي من 217 نائبًا، ويعد مركز السلطة والحكم في البلاد وفقا للدستور، حيث تنبثق عنه الحكومة.
وتسعى حركة النهضة، ذات التوجهات الإسلامية، للتحالف مع الكتل السياسية التابعة لائتلاف الكرامة بزعامة سيف الدين مخلوف، وهو المرشح الذي حلّ في المرتبة الثامنة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت في أيلول/سبتمبر الماضي، بينما يترأس محمد عبو التيار الديمقراطي "اليساري" وهو أيضا مرشح رئاسي حل في المرتبة العاشرة، بينما يشغل زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب.
وحصلت حركة النهضة على 52 مقعدا في البرلمان، بحسب نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في السادس من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بينما حصل التيار الديمقراطي على 22 مقعدا، وائتلاف الكرامة على 21 مقعدا، وحركة الشعب على 16 مقعدا، والتي ستمتلك معا 111 مقعدا، مما يؤهلها لتشكيل تحالف نيابي تتخطى به النصاب القانونية البالغ 109 مقاعد.
أبرز المرشحين المحتملين لرئاسة الحكومة
وأوضح زبيدي "اسم منجي مرزوق، مطروح في أروقة الحركة، وهو وزير تكنولوجيا الاتصالات السابق، ويشغل حاليا منصبا قويا في شركة اتصالات عالمية".
كانت أنباء ترددت عن اعتزام حركة النهضة ترشيح رئيسا راشد الغنوشي لرئاسة الحكومة، وهو الأمر الذي بات مستحيلا بسبب ترشيحه رسميا لرئاسة مجلس نواب الشعب، حيث يحظر الدستور التونسي الجمع بين عضوية البرلمان، وعضوية الحكومة.
وحول الأسماء الأخرى المتداولة في الأيام الماضية، ومن بينها رئيس المجلس التأسيسي السابق مصطفى بن جعفر، قال المحلل السياسي "لدى ابن جعفر إشكالية مضاعفة، فهو لا يحظى بمقبولية لدى الحركة، كونه تحالف في السابق مع خصومها، ولا يحظى أيضا بمشروعية شعبية فهو رئيس حزب التكتل الذي لم يفز بأي مقعد في الانتخابات التشريعية"، موضحا "اعتبر ترديد اسمه مجرد بالون اختبار أكثر منه ترشيحا حقيقيا".
وتابع المحلل السياسي "لدينا أسماء مطروحة أخرى، من بينها رئيس اتحاد الفلاحين (الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري) عبد المجيد الزار، فهو مهندس زراعي، كان في السابق عضوا بمجلس شورى حركة النهضة، وحاليا يشغل رئاسة منظمة قومية قوية، مما يجعله مرشحا بارزا".
النهضة أمام تحدٍ كبير
وحذر المحل السياسي التونسي من أن حركة النهضة "أمام تحدٍ كبير، والأمر مفتوح على كل الاحتمالات، فإذا غيّر المكتب التنفيذي للحركة قرار مجلس شورى الحركة ورشح قياديا نهضويا فإنه من المؤكد أن الحكومة لن تمر في البرلمان، وبانقضاء الأجل الدستوري، سنضطر للجوء للآليات الدستورية، وهي تسليم هذه الأمانة لرئيس الجمهورية".
ويجب تشكيل الحكومة خلال شهر من تكليف رئيسها، يجدد مرة واحدة فقط، وأما في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، فإن الرئيس قيس سعيد، الذي يحظى بقبول من الأطياف السياسية المختلفة، وشعبية كبيرة، سيكون أمام مهمة أجلها 10 أيام للتشاور مع الأحزاب والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر، بحسب الفصل الـ89 من الدستور.
وفي حال مرت 4 أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، فإن الدستور يعطي للرئيس الحق في حلّ المجلس، والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة.
وتابع زبيدي "إذا فشلت الحركة في تمرير الحكومة خلال الشهرين المقبلين، ففي الشهر الثالث حتما سيتم انتخاب رئيس الحكومة الذي يرشحه الرئيس، وستوافق عليه أغلبية البرلمان؛ لأن أي انتخابات مبكرة لن تكون في صالح العديد من الفائزين بمقاعد برلمانية، لأنهم نجحوا في الانتخابات السابقة بأقل الأصوات، أو كما نقول أقل البقايا، وهم لا يضمنون فوزهم في انتخابات جديدة".