وحملت زيارات رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري للعواصم الخليجية إشارات جديدة بشأن عمليات الإنقاذ المحتملة في الداخل اللبناني، وما إن كان الخليج قرر التدخل على خط الأزمة وتقديم الدعم اللازم أم أن هناك بعض الشروط لم تتوفر بعد؟.
وأطلع رئيس الوزراء المكلف، محمد بن زايد، على آخر التطورات والمستجدات على الساحة اللبنانية خاصة ما يتعلق منها بتشكيل الحكومة الجديدة.
وأعرب ولي عهد أبو ظبي عن تمنياته بنجاح مهمة تأليف حكومة لبنانية تراعي المصلحة الوطنية وتتجاوز الخلافات وتكون قادرة على مواجهة التحديات المختلفة التي تحيط بلبنان، مؤكدا على وقوف دولة الإمارات مع الشعب اللبناني لتحقيق تطلعاته إلى الوحدة والاستقرار والتنمية.
وسبقت زيارة الإمارات زيارة أخرى إلى قطر حيث التقى سعد الحريري بأمير قطر، كما سبقها بأيام بزيارة على القاهرة.
الزيارات المتعاقبة للخليج يسعى من خلالها الحريري للبحث عن دعم قوي يمكنه المساهمة في إنقاذ الوضع الاقتصادي اللبناني، إلا أن الخبراء يستبعدون قيام الخليج بمثل هذه الخطوة.
ويرى خبراء في حديثهم لـ"سبوتنيك" أن عمليات الإنقاذ التي ينتظرها الشارع اللبناني ترتبط باستقرار المنطقة، والخريطة الجديدة التي قد تتغير فيها التحالفات مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
وفي 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التزام بلاده بالوقوف إلى جانب لبنان الذي يشهد أزمة سياسية واقتصادية خانقة.
وجدد الرئيس الفرنسي تعهد بلاده بالوقوف إلى جانب لبنان "ومساعدته في مختلف المجالات لا سيما في ما يتعلق بالملف الحكومي (تشكيل الحكومة)".
وعلق الحريري على تعثر تشكيل حكومته لاصطدامه بعراقيل توزيع الحصص الوزارية والتوازن السياسي في لبنان، مشيرا إلى أنه لا مخرج من الأزمة بمعزل عن العرب والمجتمع الدولي.
الدور الخليجي
قال الدكتور أيمن عمر، الخبير الاقتصادي اللبناني، إن الظاهر للعيان هو دور قطري (جديد - قديم) على الساحة اللبنانية، حيث أن هذا الدور لا يخرج عن المظلة الأمريكية.
وبحسب الخبير، فإن ما استجد مع الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، تجلى بزيارة الوزير القطري إلى لبنان يومي 9 و10 فبراير، حيث التقى بالمسؤولين اللبنانيين وأعقبها زيارة إلى طهران ثم المملكة العربية السعودية.
تزامنت زيارات الوزير القطري مع أخرى متكررة من قبل الرئيس المكلف سعد الحريري إلى قطر والإمارات في إطار التباحث في الأزمة اللبنانية.
ويرى الخبير اللبناني أن جميع زيارات الحريري ما زالت تندرج ضمن الحملات الشعبوية والتهويل الإعلامي، حيث لم ترتقِ بعد إلى مستوى المبادرات الفعلية، والجدية والتي تترجم عمليا بتوفير الدعم المطلوب لإنقاذ لبنان من أزمته.
وأشار عمر إلى أن التراشق الإعلامي الكبير بين مختلف الفرقاء السياسيين وتبادل إلقاء التهم في الداخل اللبناني يؤكد ذلك.
مساعي الحريري المختلفة في أكثر من اتجاه يراها الخبير الاقتصادي بأنها محاولات للإيحاء إلى الآخرين أنه الزعيم السني الأقوى القادر على إعادة ترميم العلاقات اللبنانية العربية، وأنه قد يكون كذلك وقادر على فعلها، لكن في ظل الغياب السعودي عن المشهد اللبناني تبقى الإيحاءات في إطار التمنيات، أكثر منها في إطار الحقيقة والواقع.
تساؤلات كثيرة طرحت بشأن تراجع الخليج عن تقديم الدعم للبنان، حيث يشدد أيمن عمر على أن القرار الخليجي بيد المملكة العربية السعودية بالدرجة الأولى، وأن بند الدعم غير متوفر حاليا بسبب اشتراطات تضعها الملكة لتوفير دعمها، وعودة دورها الطبيعي في لبنان.
مستقبل بات يحتمل كل التوقعات في ظل غياب رؤية واضحة ومحددة للخروج من الأزمة، والرهان على أطراف الدعم التي يضع كل منهم شروطه، وهو ما يشير إليه الخبير الاقتصادي أيمن عمر في حديثه بأن الأزمة ستأخذ مداها حتى تتضح الملامح الحقيقية للمنطقة وصور التسويات الجديدة فيها، وكذلك تحديد الأحجام وقواعد اللعبة والتوازنات الجديدة.
بعض الملفات الشائكة لم يتم وضع خارطة طريق لحلها حتى الآن وهي تمثل بعض الإشكاليات في لبنان ويؤدي بعضها إلى اختلال في السلم الأهلي، ومنها ترسيم الحدود البحرية، دور "حزب الله" في الخارج اللبناني، دور سلاح الحزب في الداخل وقواعد الاشتباك مع إسرائيل وغيرها، بحسب نص قول الخبير.
قال الخبير الاستراتيجي اللبناني سمير الحسن، إن الاستعصاء السياسي مستمر، ولا حلول قريبة.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن الانفراج الحكومي غير ممكن حاليا، وأن هذا الواقع سيدفع بالبلد إلى مزيد من الأزمات، خاصة مع تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي.
بحسب الحسن فإن فقدان الثقة بين الأطراف تجعل المبادرة معدومة، وأنه على الأرجح لن يكون هناك استقرار سياسي في لبنان قبل استقرار المنطقة.
وكلف الحريري برئاسة الحكومة للمرة الرابعة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث تعهد بتشكيل حكومة اختصاصيين لتنفيذ الإصلاحات الضرورية لتلقي مساعدات خارجية، لكن الخلافات السياسية أخرت العملية منذ ذلك الحين.