إشارات عدة حملتها الأزمة الأخيرة المرتبطة بعبور آلاف المغاربة إلى مدينة "سبتة"، خاصة أن بينهم ما يزيد على 1500 طفل.
بعضهم لم يخبر أهله بالرحيل، وآخرون حملوا معهم كل ما يملكونه من نقود لكنه كان من نصيب البحر الذي ابتلع كل ما بحوزتهم، وبينهم من تبسم حين حملته الأمواج إلى الجانب الآخر بكل ما معه باعتبار أن حلمه قد تحقق، لكن سرعان ما وجد نفسه بين يدي الشرطة الإسبانية فبكى.
مئات الاتصالات بين الأصدقاء وخاصة الشباب بأنهم يتوجهون إلى سبتة بعد تمكن البعض من العبور، وما هي إلا ساعات وأصبح الخبر يتداول كالنار في الهشيم في مدن الشمال المغربي، وخاصة القريبة من سبتة، فتوجه الشباب في أفواج إلى النقطة الحدودية.
"سبوتنيك"، تحدثت مع العديد من الشباب الذين خاضوا الرحلة من مدنهم إلى مدينة سبتة، والذين أجمعوا على أن الظروف المعيشية وضيق الرزق وإغلاق العديد من المشروعات وتوقف الكثير من الأعمال خلال جائحة كورونا، فاقمت الوضع المتأزم حتى قبل "كوفيد 19".
في الأوساط السياسية يدور الحديث عن أن المغرب هو من سمح لهم بالعبور كرد على استقبال إسبانيا لرئيس جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، قبل أسابيع، غير أن الشباب والأسر أكدوا أن لا علاقة لهم بالجانب السياسي، ولا يعرفون تفاصيل ما يدور، وأن حلمهم كان فقط العبور نحو إسبانيا هربا من الفقر الذي يلاحقهم، أو أملا في الثراء السريع.
لم يكن يتوقع محمد الفيلالي أحد أبناء مدينة مرتيل بالمغرب الواقعة على بعد 40 كيلو متر من مدينة سبتة الحدودية، أنه سيعود سريعا بعد مغامرة رأى فيها الموت أمام عينيه.
القضية التي فاقمت الأزمة بين المغرب وإسبانيا خلال الأيام الماضية بعد عبور نحو 6000 مهاجر لمدينة سبتة الحدودية، تحمل بين طياتها الكثير والكثير من التفاصيل البعيدة عن المنحى السياسي الذي يتصدر المشهد.
حلم الذهاب إلى إسبانيا كان يراود الفلالي منذ صغره، خاصة في ظل حالة الفقر التي يعيشها والمعاناة التي تفاقمت مع أزمة كورونا.
بحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، انطلق الفلالي في الساعة الحادية عشرة من مساء إحدى الليالي نحو مدينة سبتة برفقة مجموعة من الأصدقاء، حيث قطعوا نحو 40 كيلو مترا هي المسافة بين مرتيل وسبتة.
اعترضتهم الشرطة المغربية أثناء مرورهم عبر الطرق الرئيسية، إلا أنهم اتجهوا نحو شاطئ البحر وتقدموا لمسافة طويلة سيرا على الأقدام، ومن ثم عبروا مسافة تقدر بنحو 200 متر في المياه وصلوا بعدها على الجانب الأخر من الحدود وهو مدينة سبتة.
الجيش الإسباني يوقف مهاجرين أفارقة حاولوا التسلل إلى #سبتة#شاهد_سكاي pic.twitter.com/UgjCIxLJCy
— سكاي نيوز عربية (@skynewsarabia) May 18, 2021
كان البحر هو السبيل الوحيد للعبور للجانب الآخر من الحدود، فأضطر الجميع إلى وضع هواتفهم وأوراقهم ونقودهم داخل لفافات من البلاستيك، حتى لا تتضرر من الماء، ومن ثم عبروا الخط الفاصل عبر البحر.
ذهب الفلالي برفقة الأصدقاء إلى أحد الأحياء بمدينة سبتة، ليجد نفسه بين تجار مخدرات وعناصر إجرامية، حسب وصفه، وخلال تزاحم الشباب على الحي حدثت مشاجرات أصيب خلالها أحد الشباب من مدينة مرتيل بثلاث رصاصات في قدمه والتعدي عليه بالسلاح الأبيض.
أحد سكان المدينة أعطاهم بعض الملابس والطعام ومن ثم نصحهم بضرورة الابتعاد عن الحي، حتى لا يقتل أحدهم.
انتقل الفلالي ورفاقه إلى أحد الأحياء الأخرى وظلوا بها حتى الصباح، حيث وجدوا أنفسهم بين مدرعات وأعداد كبيرة من رجال الشرطة، وتعرضوا للضرب والإهانة وإطلاق الرصاص المطاطي، وسقط العشرات من الجرحى، ما دفعه للتفكير الجدي في العودة مرة أخرى.
لحظات من الرعب عاشها هو ورفاقه وسط تزايد الأعداد التي تعرض معظمها للأذى بحسب فيلالي، إلا أنه قرر العودة إلى المغرب مرة أخرى بنفس الطريقة التي دخل بها إلى سبتة.
رحلة أخرى بدأها "محمد، أ" من نفس المدينة، لكنه هذه المرة بعد أن قابله الأصدقاء وأخبروه أن أحد الشباب من نفس الحي تمكن من العبور إلى مدينة سبته، فقرر على الفور التوجه إلى هناك.
لم يضع في حساباته المخاطر التي قد يواجها، لكن حلم العبور سيطر على ذهنه، بعد أن تأكد عبور أحد الشباب إلى الجانب الآخر، وهو الحلم الذي يسيطر على عقول الآلاف هناك.
في حديثه لـ"سبوتنيك"، أوضح محمد أنه ذهب عبر السيارة إلى المنطقة الحدودية ووجد الآلاف يحتشدون بالنقطة الحدودية.
سيدات وأطفال ورجال يعبرون الحدود عبر البحر إلى الناحية الأخرى، لكن أحلام العبور إلى أوروبا تحطمت في الجهة الأخرى، بعدما تيقن محمد ورفاقه أنه لن يسمح لهم بالذهاب إلى أي مكان.
ظل محمد ورفاقه لمدة يومين بالمدينة لكنهم رأوا بعض الشباب من مدينة سبتة يقومون بعمليات إجرامية بحق الشباب ويعتدون على بعض الأسر، فضلا عن ضرورة الابتعاد عن الشرطة الإسبانية.
يوضح محمد أن الأيام التي قضاها هو ورفاقه هناك كانت بمثابة الرعب، ولم تكن عملية الحصول على الطعام والشراب يسيرة، حيث كان يتعمد الإسبان اهانتهم ومطالبتهم بالعودة إلى المغرب.
في النهاية وجد محمد ورفاقه كل الطرق مغلقة في العبور نحو إسبانيا، في حين أن البقاء في سبتة سيعرضهم لمخاطر عدة قد تصل إلى الموت، فقرروا العودة مرة أخرى إلى مدينتهم.
انعكاسات جائحة كورونا
خسر عمله خلال جائحة كورونا وتعطلت معظم المهن خلال العام الماضي، فلم يجد "ياسين، ك" أمامه سوى العبور إلى مدينة سبتة أملا في فرصة عمل أو ظروف أكثر ملائمة من التي يعيشها.
يقطن ياسين بمدينة الفنيدق وهي أقرب مدينة إلى سبتة من الجهة الأخرى، حيث كانت المهمة فقط تتمثل في عبور البحر لمدة لا تتجاوز 10 دقائق.
الأسباب جلها التي دفعت الشباب هي التي دفعت ياسين إلى محاولة الهجرة غير الشرعية، في ظل ضيق الأحوال المعيشية وتدهورها خلال أزمة كورونا.
مخاطر عدة واجهت الفتيات والأسر والأطفال خلال عملية العبور سباحة على الجانب الآخر، إلا أن بعض من يجيدون السباحة كانوا يساعدونهم، حتى يصلون إلى شاطئ سبتة.
مخاطر الموت
بحسب الشباب الذين تحدثوا لـ"سبوتنيك"، فأن المخاطر التي واجهتهم داخل مدينة سبتة وصلت إلى حد الموت، خاصة في ظل انتشار عصابات تهريب البشر والمخدرات بالمدينة الحدودية، وأن هذه العصابات حاولت اختطاف البعض، كما اعتدت على الأسر والفتيات داخل المدينة.
بعض الشباب فضل العودة وبعضهم ألقي القبض عليه، فيما يزال العدد الأكبر داخل المدينة يواجهون مصيرهم، على أمل الهروب أو العودة مرة أخرى.
مواقف رسمية
في وقت سابق قالت وزيرة الخارجية الإسبانية، أرانشا غونزاليس لايا، إنه "من غير المعقول تعريض حياة آلاف المراهقين القصر المغاربة للخطر كرد فعل على استقبال إسبانيا لزعيم البوليساريو إبراهيم غالي".
وقالت غونزاليس لايا، وزيرة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسبانية، في تصريح لإذاعة "كادينا" الإسبانية: "لا يمكنني تصور تعريض حياة الشبان والقصر للخطر كرد فعل لعمل إنساني، ببساطة أنا لا يمكنني تخيل ذلك"، وفقا لما نقلته صحيفة "ذي صان دييغو يونيين تريبين" الإسبانية.
في المقابل رد وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، بأن بلاده "لا تقبل بازدواجية الخطاب والمواقف" من إسبانيا، وذلك في أعقاب التوتر بين البلدين لاستقبال مدريد زعيم جبهة البوليساريو مؤخرا.
وقال بوريطة، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، يوم الخميس إنه "يتعين على مدريد أن تعي بأن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس. وعلى بعض الأوساط في إسبانيا أن تقوم بتحسين نظرتها للمغرب".