يرى مراقبون أن هذا القرار كان يمكن أن يكون صائبا إذا ما استند إلى رضا شعبي ووفق منظومة كاملة في عموم البلاد، وأن لا يكون مبنيا على تحقيق مصالح لطرف على حساب الآخرين، علاوة على أن بعض الولايات قد تكون غير قادرة اليوم على إدارة نفسها ذاتيا، الأمر الذي يدخلها في صراعات أهلية، لكن هذا لا يمنع أن الحكم الذاتي للأقاليم يمكن أن يحقق الاستقرار، إذا ما توافرت متطلباته.
تجمع المهنيين
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، كما أن" نظام حمدوك يقوم الآن وبحماية العسكر بتنفيذ أجندة تجمع المهنيين، والذي قام في 26 يوليو/تموز 2020 بتوقيع اتفاقية سياسية مع حركة عبدالعزيز الحلو العلمانية الانفصالية، واجندتهم الايديولوجية هي إما تطبيق العلمانية في السودان بوضعه الجغرافي والديموغرافي الحالي، أو الانفصال عن السودان عبر خطوة الحكم الذاتي بغرض تطبيق العلمانية، ونشر ايديولوجيتها في هذا الجزء من أفريقيا، وما قرار البرهان و مجلس السيادة إلا تنفيذ لسياسات تجمع المهنيين الذي يحرك كل خيوط السياسات والقرارات في المسرح السياسي، ويلعب بكل الحبال".
غير دستوري
وقال متحدث الرئاسة السابق، "يدعي إعلام النظام الحاكم أنه قد صدر مرسوم "دستوري" يمنح الحكم الذاتي للولايات الجنوبية، ولكن هذا غير صحيح، حيث إن الدستور معطل، والعمل حاليا بوثيقة قام نظام تجمع المهنيين بتسميتها بالوثيقة الدستورية، حينما قام بالتوقيع على الشراكة قبل عامين، علما بأنه لا يوجد أي مواطن حر قام بالمشاركة في وضعها أو بالتصويت عليها في استفتاء، وإنما تم فرضها فرضا وبصورة غير قانونية، وبكل أسف قام النظام الحاكم بتعطيل المحكمة الدستورية، منعا لأي طعون قانونية ضد أي قرارات يتخذها النظام".
وأشار عزالدين إلى أنه، "ليس من حق نظام حمدوك الانتقالي أن يقرر في القضايا المصيرية، فهذا أمر ينبغي أن يعود للشعب السوداني عقب اختيار حكومة و برلمان منتخب، ليقرر ممثلو الشعب السوداني ما يراه، أما الحكومات الانتقالية مهامها محددة ومقيدة، وينبغي أن تكون الفترة الزمنية غير متجاوزة للعام أو الاثنين على أقصى تقدير، ولكن الآن حكومة تجمع المهنيين الليبراليين تدخل عامها الثالث على كراسي الحكم".
وأوضح أن، "قرارات الحكومة الانتقالية تكتيكية متعلقة بفترة حياتها المؤقتة فقط، ولا تراعي المصالح الاستراتيجية للسودان، لأن أول انتخابات ديمقراطية سترمي بالحكام الذين جاءت بهم التحولات السياسية في ١١ أبريل/ نيسان من على مناصبهم، وهم يعلمون بذلك، لذلك السعي محموم حاليا وسط الطغمة الحاكمة إلى اتخاذ قرارات تكفل لهم أكبر قدر من الأرباح، مثل التطبيع مع اسرائيل وتنفيذ مطلوبات أمريكا في المنطقة، والانصياع لدعاة الانفصال من العلمانيين عبر بوابة الحكم الذاتي، وهذه جناية تاريخية تحاسبهم عليها الأجيال ولو بعد ٣٠ عاما".
الانتخابات هي الحل
وأكد عزالدين، أنه "لا يبدو حاليا أي ضوء في آخر النفق، إلا عبر إقامة انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة يشارك فيها كل الشعب السوداني دون وصاية من اليونيتامس ومخالب أمريكا في المنطقة، و بأسرع ما يكون، خصوصا أن هذه هي السنة الثالثة في الحكم الحالي، والذي كان قد وعد المواطنين فور وصوله للكراسي، بأن يكون العام ٢٠٢٢ هو عام الانتخابات والمؤتمر الدستوري لنظام الحكم، لذا ينبغي على الشعب والقوى الدولية أن تضغط على الحكومة السودانية نحو الانتخابات، فالانتخابات هي الحل من أجل اللحاق بما تبقى من أرض السودان والشعب السوداني".
من جانبه قال المحلل السياسي السوداني، الدكتور عبد الملك النعيم، في اعتقادي أن هذه الثغرة والمتمثلة في منح الحكم الذاتي لبعض الولايات ما كان يجب أن تفتح، لأنها ثغرة في الاتفاق يمكن أن تقود إلى نتائج أخرى غير متفق عليها.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، "الأمر الثاني أن جنوب كردفان التي شملها الاتفاق لا يمثلها فقط عبد العزيز الحلو- الحركة الشعبية "شمال"، بل هو يمثل جانب وهناك تمثيل في الجانب الآخر، حيث أن الحركة الشعبية هي التي كانت مسؤولة عن إدارة كردفان والنيل الأزرق، وهي التي كانت تتحدث عنهما، ورغم ذلك هي لا تعبر عن رأي وحديث جنوب كردفان، لأن هناك مجموعة كبيرة جدا من السياسيين والمثقفين غير راضين عن الحلو أو الطرف الآخر، لذلك لو تصورنا أن الحلو يمثل كل المنطقة، فإن الموضوع يمكن أن يثير الشق الآخر".
متطلبات كثيرة
وتابع المحلل السياسي، "في رأيي أن الاتفاق بشأن الحكم الذاتي كان يجب أن يشمل فقط جنوب كردفان، أما منطقة النيل الأزرق فهي مختلف عليها، لأن خيار الحكم الذاتي له متطلبات كثيرة جدا منها ، السلام والاستقرار للمواطنين، لكن الواقع لا يشير إلى أن ولاية جنوب كردفان تستطيع إدارة نفسها ذاتيا".
ولفت النعيم إلى التجربة السودانية السابقة مع جنوب السودان، والتي تم منحها الحكم الذاتي بعد اتفاق السلام، لكنها ظلت تحت ولاية الحكومة الاتحادية في الخرطوم، فإذا كان الاتفاق الحالي ينص على خضوع كل مناطق كردفان كليا لقيادة الخرطوم، في الوقت الذي تدير شؤونها الداخلية ذاتيا، يمكننا أن نعتبر ذلك مرحلة إلى أن يتم الاستقرار في كردفان، وبعدها تكون الوحدة في عموم البلاد.
وأشار المحلل السياسي، "في تقديري أن الحكومة الانتقالية قد تجلت في الكثير من القرارات، على سبيل المثال فيما يتعلق بمن يحكم ولاية دارفور، لذا فإن القرار يمكن أن يثير الكثير من المشاكل أكثر من عملية حل المشاكل القائمة الآن".
أصدر عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان مرسوما دستوريا، يمنح منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان حكما ذاتيا.
وعممت بثينة إبراهيم دينار وزيرة الحكم الاتحادي، بلاغا للولاة ما جاء في المرسوم، موضحة في خطابها أنه وبناءا على المرسوم يكون نظام الحكم في المنطقتين، وفق الترتيبات الشاملة الواردة في اتفاق جوبا لسلام السودان، كما تمت مخاطبة الوزارات الاتحادية في ذات الخصوص.
تجدر الإشارة إلى أن المادة 8 من الفصل الثالث - الباب الثالث نصت على الآتي: "اتفق الطرفان أنه دون المساس بوحدة السودان شعبا وأرضا أو السلطات الحصرية أو المشتركة أو المتبقية، تتمتع المنطقتان بحكم ذاتي تمارس فيه السلطات المنصوص عليها في هذا الاتفاق".
وحددت المادة السابعة من نفس الفصل والباب "تعريف المنطقتين"، حيث جاء في "البند 7/1" أن ولاية إقليم النيل الأزرق يعني ولاية النيل الأزرق الحالية.
وجاء في البند "7/2"، أن ولاية جنوب كردفان - جبال النوبة يعني ولاية جنوب كردفان- جبال النوبة الحالية.
أما البند "7/3"، فقد حدد ولاية غرب كردفان بوضعيتها الحالية، على أن يحدد مؤتمر نظام الحكم في السودان حدودها مع ولاية جنوب كردفان - جبال النوبة.
وأوضح الدكتور محمد صالح يسن، وكيل أول وزارة الحكم الاتحادي، أن صدور هذا المرسوم قد عالج أكثر القضايا تعقيدا في نظام الحكم بالولايات الثلاث، وجذور مسببات الحرب بها، ما يعد خطوة مهمة ومتقدمة في تنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان.