حيث تؤكد اللجنة الوطنية لمقاومة الإدمان أن أكثر من 75% من الأدوية والعقاقير الأساسية التي يصفها الأطباء لعلاج مرضاهم من المدمنين غير متوفرة في تونس ولا تستوردها الدولة منذ فترة طويلة.
علاج منقوص
وقال المختص في علاج الإدمان أيمن عباسي لـ "سبوتنيك"، إن الأطباء أصبحوا يجدون صعوبة في التقليص من نسب الإقلاع على المخدرات بسبب فقدان الأدوية التي تمثل جزءا هاما من العلاج.
وبيّن أن تونس تسجّل نقصا فادحا في استيراد هذه العقاقير منذ فترة، وأن المشكل تفاقم أكثر مع جائحة "كورونا" التي أثقلت ميزانية الدولة وغيّرت سلّم الأولويات لديها.
وأكد العباسي أنه في ظل غياب الأدوية وخاصة منها الأساسية فإن العلاج لن يكون مكتملا، موضحا أن الأطباء يعتمدون على خطة متكاملة لمساعدة طالبي العلاج على الإقلاع تجمع بين ما هو جسدي ونفسي واجتماعي.
وأضاف "إذا لم يتخلص جسم المدمن من السموم والمواد المسببة للإدمان، فإن ذلك سيسبب له آلاما على مستوى الجهاز العصبي، وهو ما سيؤثر على سلوكياته التي ستميل في معظم الحالات إلى العدوانية وقد تصل إلى الإجرام".
ويرى المتحدث أن السلطات التونسية لا تعتبر معالجة الإدمان من الأولويات المستعجلة وهو ما يفسر البطء الشديد في توفير الأدوية والعقاقير المخصصة للمساعدة على الإقلاع والتعافي من هذه الآفة التي تمس المئات بل الآلاف من الشباب في تونس.
وأشار العباسي إلى أن الدولة لم تحرّك ساكنا لإيقاف غلق العديد من مراكز مكافحة الإدمان التي أقفلت بسبب ضعف الاعتمادات المالية خاصة في المناطق الداخلية. وأكد أن محافظات القصرين والقيروان وسيدي بوزيد لا تحوي مركزا واحدا لمعالجة الإدمان رغم ارتفاع أعداد المتعاطين للمخدرات فيها.
ونبه العباسي من خطورة تواصل هذا الوضع خاصة في ظل تنوع المخدرات وإقبال المستهلكين على أنواع أشد خطورة مثل السوبيتاكس والهيروين والكوكايين التي أصبحت تباع على قارعة الطريق.
أدوية ممنوعة
من جانبه، لفت رئيس اللجنة الفنية لمكافحة الإدمان والسلوك الإدماني بوزارة الصحة نبيل بن صالح إلى أن جزء من الأدوية التي يطلبها الأطباء والمختصون لعلاج مرضاهم غير متوفرة لأن القانون التونسي يمنع استخدامها.
وأوضح أن هذه الأدوية مدرجة ضمن قائمة المخدرات في حين أن مفعولها لا يتطابق مع مفعول المخدرات بالنظر إلى كونها لا تسبب الإدمان وإنما تساعد على التعافي منه.
وبيّن أن منع استخدام هذه الأدوية قاد الأطباء والمعالجين إلى التركيز على الجانب النفسي والاجتماعي في علاج المدمنين واستخدام أدوية أخرى أقل فعالية.
وأشار بن صالح إلى وجود مشروع يهدف إلى إصلاح قانون المخدرات عرض على البرلمان منذ سنة 2015، لكنه لم يرَى النور إلى اليوم ولم يصل حتى إلى الجلسة العامة، بل بقي حبيس لجنة التشريع العام التي رفضت تمريره واكتفت بتعديل فصل واحد يسمح للقاضي بالاجتهاد في الحكم على مستهلكي المخدرات للمرة الأولى.
أعداد المدمنين في تزايد
وقال بن صالح إن مشكلة الأدوية المفقودة تسري أيضا على الأدوية المخصصة لعلاج الإدمان على التدخين، مضيفا "رغم أن القانون التونسي يسمح باستعمال أصناف معينة من الأدوية مثل النيكوباتش الذي يستخدم للتخلي تدريجيا عن التدخين فإن هذه الأدوية لا تدخل إلى البلاد".
وأشار إلى أن الصيدلية المركزية تعتبر أنها ملزمة باستيراد أدوية أخرى تصنفها على أنها حياتية وأكثر أهمية، في حين أن علاج الإدمان على التدخين مهم جدا خاصة وأن عدد المدخنين تجاوز مليونيْ ونصف تونسي.
وأضاف أن مصالح وزارة الصحة بصدد إعداد دراسة وطنية تتعلق بالإدمان على مختلف أنواع المخدرات تهم الفئة العمرية بين 15 سنة و64 سنة، متوقعا تزايد عدد المدمنين في ظل انتشار أنواع عديدة من المخدرات وسهولة الوصول إليها.
وبشكل عام، أكد بن صالح أن عدد المدمنين على المخدرات في تونس تزايد بشكل ملحوظ بعد الثورة وخاصة منذ ظهور جائحة كورونا التي قلصت التواصل الاجتماعي وهو ما قاد الكثيرين إلى الإدمان على المخدرات وحتى استهلاك أصناف هجينة منها تسببت بعضها في الوفاة.
وبيّنت دراسة ميدانية أنجزتها وزارة التربية بعنوان سنة 2019، أن 9.2% من التلاميذ يتعاطون المخدرات، 78% منهم ذكور و22% من الإناث، وأن 17.4% منهم بلغوا مرحلة الإدمان.
وتسعى أطراف حقوقية وبرلمانية إلى التعديل القانون المتعلق بالمخدرات من أجل تخفيف العقوبات على المستهلكين وإلغاء العقوبات المشددة مقابل مضاعفة العقوبات المالية، فيما يقترح آخرون تحرير بعض أصناف المخدرات على غرار القنب الهندي.