حيث شهدت معسكرات قرطاج والقصبة تراشقا كلاميا بين رئيس الحكومة هشام المشيشي من جهة، الذي حمّل وزير الصحة فوزي مهدي مسؤولية فتح مراكز التلاقيح لعموم المواطنين أيام العيد دون سابق إعلام، معتبرا أن تعطيل التغيير الوزاري تسبب في كارثة صحية، وبين رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي استضاف وزير الصحة المقال واتهم أطرافا لم يذكرها بتعمد نشر العدوى في البلاد والتفكير في التغيير الوزاري بينما تعاني البلاد من نقص حاد في التزود بالأكسجين.
واعتبر رئيس الحكومة في لقاء جمعه بإطارات من وزارة الصحة أن فتح مراكز التلقيح يوم العيد "قرار شعبوي ويمكن وصفه بالإجرامي" متهما وزير الصحة بسوء التسيير في قيادة الوزارة وبالتخاذل في اتخاذ القرارات المناسبة لمجابهة الأزمة الوبائية، مضيفا أنه تأخر في إقالة الوزير الذي شمله التحوير الوزاري منذ كانون الثاني 2021.
وعلى عكس أحزاب الحكم التي ذهبت إلى المطالبة بالتسريع في تفعيل التحوير الوزاري المعلق، اعتبرت أحزاب المعارضة أن إقالة وزير الصحة لم تكن سوى شماعة علّقت عليها الحكومة أخطائها وفشلها الذريع في إدارة الأزمة، تزامنا مع رفع حزب التيار الديمقراطي شكاية جزائية ضد رئيس الحكومة.
إلى ذلك نشرت منظمة أنا يقظ (منظمة رقابية غير حكومية) وثيقة تتضمن مراسلة بين ديوان وزير الصحة ووزير الداخلية بتاريخ 19 يوليو 2021، تتعلق بتأمين 29 مركز تلقيح خلال الأيام المفتوحة للتلقيح يومي العيد من قبل الأمن الوطني.
وقالت المنظمة إن هذه الوثيقة تفند ادعاءات رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالنيابة هشام المشيشي الذي صرح بأن وزير الصحة لم يعلم السلطات المعنية بقرار فتح مراكز التلقيح، مطالبة إياه بالاستقالة نظرا لـ "فشله الذريع في إدارة الجائحة وفي تأمين التلقيح لجميع التونسيات والتونسيين دون تمييز ومحسوبية".
مسؤولية الحكومة
وقال الرحوي إن وزير الصحة المقال بذل كل ما لديه من أجل إخراج البلاد من الأزمة الوبائية في ظل امكانيات شحيحة لا تسمح له بتحقيق نتائج جدية، مشيرا إلى أن الحكومة لم تدعمه لا بالموارد المادية أو البشرية، وأن البرلمان أنهكه بجلسات مسائلة أسبوعيا والتي استجاب لها برحابة صدر.
وأضاف أن الحكومة والحزام البرلماني الداعم لها يتحملان مسؤولية الوضع الصحي الخطير الذي بلغته البلاد وارتفاع عدد الوفيات إلى مستوى غير متوقع، على اعتبار أن الحكومة "تأخرت في اتخاذ قرار الحجر الصحي الشامل، ولم تحقق وعدها بتلقيح 4 مليون مواطن بحلول موفى يونيو 2021، ولم تبذل أي مجهود لجلب اللقاح والإعداد اللوجستي للقيام بالتطعيم".
ويرى الرحوي أن ما يحصل في تونس يستوجب رحيل هذه الحكومة وحزامها البرلماني المكون من حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة الذين أداروا ظهرهم لحق المواطنين في الحياة وركزوا اهتماماتهم على إصدار قوانين لحماية المهربين ومبيضي الأموال والتفريط في سيادة البلاد من خلال تمرير صندوق التنمية القطري.
وتابع "الطبقة الحاكمة مارست الإجرام في حق الشعب التونسي، ففي الوقت الذي يئن فيه المواطنون من مخافتن الجائحة الوبائية لم تتوانى هذه الحكومة في ممارسة التجويع عبر إقرار زيادات في أسعار المواد الأساسية والماء والكهرباء".
شكوى ضد رئيس الحكومة
وقال إن حزبه يحمّل رئيس الحكومة وفريقه البرلماني الداعم له مسؤولية ما يحصل من تفجر للوضع الصحي وارتفاع لضحايا الوباء، مضيفا "إذا كانت هذه الحكومة عاجزة عن حماية حياة المواطنين واتخاذ اجراءات ناجعة لإنقاذ أرواحهم فما عليها سوى الاستقالة وتسليم الأمانة لمن هو أجدر بها".
وتابع "رغم الفشل المتكرر وانتشار العدوى بفيروس كورونا وكثرة الوفيات، ما يزال هذا الفريق الحكومي متمسكا بكرسي الحكم وممعنا في المضي في تجربة الفشل الذريع في إدارة الأزمة الوبائية واتخاذ قرارات مميتة، وهو ما يمكن وصفه بالجريمة".
واعتبر الحجلاوي أن فتح مراكز التلقيح يومي العيد بشكل مفاجئ وغير منظم هو قرار ارتجالي وغير مسؤول على اعتبار أنه سيتسبب في انتشار العدوى بالنظر إلى الاكتظاظ الهائل الذي خلّفه.
وأضاف أنه لا يمكن تحميل وزير الصحة المسؤولية بمفرده فيما حصل وأن "هذا الفشل يتقاسمه وزير الصحة الذين كان من المفروض أن يعقد اجتماعا مع الأطراف المعنية قبل اتخاذ القرار، ووزير الداخلية بالنيابة هشام المشيشي الذي يبدو أنه تلقى مراسلة من ديوان وزير الصحة ولم يحرك ساكنا".
ولا يستبعد الحجلاوي أن يكون رئيس الحكومة ووزير الداخلية بالنيابة هشام المشيشي قد زج بوزير الصحة نحو ارتكاب هذا الخطأ حتى يجد مبررا لإقالته خاصة وأن رئيس الجمهورية قيس سعيد قد أشار إلى وجود مؤامرة حيكت ضد الوزير.
وقال "إذا كان هذا الأمر صحيحا فهي جريمة بالغة الخطورة لأن الدفع بأرواح الآلاف من المواطنين نحو الموت في سبيل هدف سياسي رخيص يمكن تحقيقه بجرة قلم هو خطأ لا يغتفر".
التسريع في التغيير
وقال السبوعي إن "تفعيل التحوير الوزاري أصبح ضرورة ملحة خاصة في ظل الوضع الصحي الحساس الذي تمر به البلاد والذي لا يمكن بموجبه أن يدير شخص وزارتيْن مهمتيْن مثل وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية في آن واحد".
واعتبر النائب أن تعطيل التحوير الوزاري أصبح جزء مهما من الأزمة التي تعاني منها البلاد والتي من المفروض أن توحّد جميع المكونات حكومةً ورئاسةً وبرلمانا ومجتمعا مدنيا.
وحمل السبوعي وزير الصحة المقال مسؤولية التداعيات المتوقعة للاكتظاظ الذي حصل في مراكز التلقيح، واصفا قراره بالعشوائي واللامسؤول وغير البريء، قائلا "عوض أن يتم اتخاذ قرارات ناجحة تسهم في التقليص من حدة الأزمة وكأن بهذا الوزير يدعو إلى نشر العدوى بين الناس".
ويرى السبوعي أن دعوة المواطنين الذين تفوق أعمارهم عن الـ 18 سنة إلى الذهاب إلى مراكز التلقيح تتطلب انعقاد مجلس وزاري موسع والتنظيم لها بشكل مسبق، منتقدا تطعيم المواطنين بلقاح لم يعد معمولا به في أوروبا وآخر أثبتت التجارب العلمية عدم فاعليته بالنسبة للسلالات المتحورة مثل سلالة دلتا.
واستنكر المتحدث استضافة رئيس الجمهورية قيس سعيد لوزير الصحة المقال فوزي مهدي وتساؤله عن المتسبب في حادثة التلقيح المفتوح بينما يقف الطرف الذي أعطى الأمر بذهاب المواطنين إلى مراكز مكتظة ومحدودة العدد أمامه. واعتبر أن رئيس الدولة يحاول التغطية على أخطاء وزير الصحة الذي يتبعه.
ويذكر أن وزير الصحة فوزي مهدي الذي تقلد مهامه على رأس الوزارة منذ عشرة أشهر قد نشر تدوينة على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك" يؤكد فيها أنه تفاجأ بقرار إقالته عبر وسائل الإعلام وهو الوزير الثالث عشر الذي يتقلد هذا المنصب منذ الثورة إلى اليوم.