وراسل أمس نواب من حركة الشعب النائب الأول لرئيس البرلمان، سميرة الشواشي، من أجل مطالبتها بكشف المعطيات الصحية المتعلقة برئيس البرلمان وعرضها على النواب وإطلاع الرأي العام على تفاصيلها.
وكان الغنوشي الذي يتولى أيضا رئاسة حركة النهضة قد أشرف ظهر أمس على اجتماع مكتب البرلمان عن طريق تقنية التواصل عن بعد دون تشغيل الكاميرا بعد أسبوع من غيابه عن المجلس، وهو ما فاقم الشكوك بشأن وضعيته الصحية ومدى قدرته على إدارة أشغال المجلس. بينما حدا البعض إلى التشكيك في الشخصية الفعلية التي أدارت اجتماع مكتب البرلمان.
وتساءلت رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر بالبرلمان، عبير موسي، عما إذا كان الشخص الذي يدير الاجتماع هو رئيس البرلمان راشد الغنوشي أم مقلّد الصوت وسيم الحريصي المعروف باسم "ميغالو" والذي درج على تقليد أصوات الشخصيات السياسية بشكل متقن.
وطالبت موسي رئيس البرلمان بالظهور بشكل مباشر عبر تقنية الكاميرا على غرار بقية النواب، داعية إياه إلى إطلاع التونسيين على حقيقة وضعه الصحي.
وتثير الوضعية الصحية للغنوشي البالغ من العمر 80 سنة مخاوف بتكرر سيناريو الرئيسين الراحلين، الباجي قائد السبسي والحبيب بورقيبة، خاصة وأنه سبق وأن تعرض لوعكة صحية حادة قبل أشهر.
مطلب شرعي وقانوني
واعتبر النائب عن حركة الشعب محسن العرفاوي في حديثه لـ"سبوتنيك" أنه من الطبيعي أن يطالب البرلمانيون بنشر التقرير الطبي المتعلق بالوضع الصحي لرئيس البرلمان راشد الغنوشي.
وشدد على أن مطلبهم شرعي وقانوني ويستند إلى فصول النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب التي تنظم تسيير الجلسات ومكتب البرلمان وأشغال اللجان وإدارة المجلس ككل، مضيفا أن القانون يطبق على جميع النواب بما فيهم رئيس البرلمان.
وقال العرفاوي: "منذ دخول رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي إلى المستشفى العسكري وإعلان إصابته بفيروس كورونا لم يقع إطلاع النواب على حقيقة وضعيته الصحية التي بمقتضاها يمكن تقييم حالة الشغور إن كان وقتيا أم نهائيا".
وأضاف أن النظام الداخلي ينص على انتقال صلاحيات رئيس البرلمان إلى نائبه الأول (سميرة الشواشي حاليا) إذا ما كان الشغور وقتيا، وأن يقع انتخاب رئيس جديد للبرلمان بعد فترة لا تتجاوز يوما إذا ما كان الشغور نهائيا.
وقال العرفاوي إن الشفافية تقتضي أن تطالب النائب الأول لرئيس البرلمان، سميرة الشواشي، بنشر التقرير الطبي لراشد الغنوشي والذي يخطه الأطباء المباشرون لحالته، من أجل اتخاذ الاجراءات المناسبة.
وبيّن النائب أن هذا الإجراء قانوني بحت ولا يتضمن إحراجا لشخص راشد الغنوشي أو غيره، وإنما الهدف منه هو إنارة الرأي العام وضمان حسن تسيير عمل البرلمان خاصة وأن الأمر يتعلق بمؤسسة سيادية.
وأضاف العرفاوي أن إشراف الغنوشي على اجتماع مكتب المجلس يوم أمس عن طريق تقنية التواصل عن بعد لا يمكن أن يكون دليلا على سلامة الوضعية الصحية لرئيس البرلمان وأن التقرير الطبي وحده الكفيل بتبيانها.
وختم العرفاوي أن "الهدف من هذا المطلب ليس تسجيل نقاط سياسية كما ادعت حركة النهضة"، مؤكدا أن الخلافات السياسية مع رئيس البرلمان لا يمكن أن تكون حافزا للمطالبة بكشف وضعيته الصحية، مشددا على أن القانون هو الفيصل.
وكان نواب من حركة النهضة قد اعتبروا أن المطالبة بنشر التقرير الطبي لرئيس البرلمان ودراسة فرضية الشغور "سقطة أخلاقية ومحاولة لاستغلال هذا الظرف الإنساني لتسجيل نقاط سياسية".
سيناريو بوتفليقة
وفي تصريح لـ"سبوتنيك"، قال عضو مرصد الشفافية والحوكمة الرشيدة، المعز الحاج منصور، إن الظرف السياسي الذي تمر به البلاد والانهيار الاقتصادي وانسداد الآفاق السياسية وتواصل الصراعات الحزبية تحتّم التفكير في كل الفرضيات الممكنة.
وأوضح أن تقدم رئيس البرلمان في السن وتعرضه إلى وعكة صحية تم التكتم عليها يطرحان أكثر من تساؤل حول مستقبل هذه المؤسسة التشريعية خاصة وأن الغنوشي الذي يترأس البرلمان وحركة النهضة يمثل جزءا أساسيا من الحزام السياسي الداعم لحكومة هشام المشيشي، والنائب الأول لرئيس الجمهورية في حال تعذر على هذا الأخير ممارسة نشاطه.
وتابع: "لا يمكن أن يستمر شخص مسن في تسيير دواليب الدولة وهو يعاني من مرض ما، ناهيك عن التداعيات الممكنة لإصابته بفيروس كورونا على إمكانياته الجسدية وحتى الذهنية".
وأضاف الحاج منصور أن هذه المعطيات تستوجب مكاشفة الشعب التونسي ومصارحته بالوضعية الصحية والجسدية والعقلية لرئيس البرلمان وإذا كان بإمكانه أن يستكمل رئاسة المجلس، قائلا: "لا يمكن أن يتخفى الغنوشي خلف حجاب الهاتف أو تقنيات التواصل عن بعد، فإن كان قادرا على التسيير فليستمر في القيام بوظيفته السياسية، وإن كان غير قادر على ذلك فبإمكانه أن يتمتع بفترة نقاهة وقتية، أما إذا كان عاجزا تماما فيجب إعلان الشغور النهائي وانتخاب رئيس آخر وهو مطلب طبيعي".
وقال المتحدث إن الغاية الأساسية من نشر التقرير الطبي هي منع استنساخ تجربة الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي حكم طويلا وهو مسير على كرسي متحرك وغير قادر حتى على الإمضاء.
وتابع: "نحن لا نريد للشعب التونسي أن يمرّ بنفس التجربة التي مرّ بها أيضا الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، خاصة وأن معظم البلدان العربية قد عانت من رفض الزعامات السياسية التخلي عن مناصبها رغم التقدم في السن ولم تتركها إلا عن طريق الانقلاب أو الوفاة".
وشدد على أن مطالبة حركة النهضة ورئاسة البرلمان بكشف الحالة الصحية لراشد الغنوشي كانت بدافع وطني وهو ضمان استمرار مرافق الدولة خاصة في ظل هذا الظرف العسير الذي تمر به البلاد التونسية.
وينص الفصل 49 من النظام الداخلي للبرلمان التونسي على أنه "في صورة تعذر مباشرة رئيس مجلس نواب الشعب لمهامه يحل محله نائبه الأول وعند الغياب نائبه الثاني".
فيما ينص الفصل 52 على أنه "في حالة الشغور النهائي لمنصب رئيس البرلمان يمارس نائبه كل صلاحياته إلى حين انتخاب رئيس جديد في أجل أقصاه 15 يوما من تاريخ الشغور".