وإلى جانب الدولة المنظمة، الجزائر، ممثلة في أوركسترا الأوبرا بقيادة المايسترو أمين قويدر، وإيطاليا ضيف شرف المهرجان، نجد دولتين عربيتين هما تونس وسوريا، بالإضافة إلى جمهورية التشيك، فرنسا، تركيا، النمسا، المكسيك، اليابان، ألمانيا، إسبانيا، وروسيا التي ستختتم برنامج التظاهرة.
"سبوتنيك" أجرت حواراً مع المايسترو عبد القادر بوعزارة، محافظ المهرجان ومدير المعهد الوطني العالي للموسيقى، قال خلاله إن هذه التظاهرة جعلت من الجزائر ملتقى لكبار الموسيقيين العالميين. وأن المهرجان يعمل على ترسيخ ثقافة الموسيقى العالمية في المجتمع الجزائري، خاصة أن التأسيس لأوركسترا أو مدارس محترمة تدرّس هذا المجال، مهمة تتطلب عقودا من الزمن.
بوعزارة أضاف: "لكي تجد مكانة في عالم الموسيقى السيمفونية فإن الأمر يتطلب 50 سنة لتكوين موسيقيين مقتدرين في جميع الآلات الموسيقية، حتى تقدر على عزف أعمال موزارت وتشايكوفسكي وبيتهوفين وفيري وروسيني وبوتشيني وغيرهم… إن تمكننا كجزائريين من تحقيق ذلك في قرابة 15 سنة فقط يعتبر معجزة".
الثقافة… لمواجهة الإرهاب والتطرف
يعود بنا بوعزارة إلى تجربته الخاصة، إذ بعد دراسته الكمان في صباه، ثم سفره إلى الاتحاد السوفييتي، عاد إلى الوطن وأصرّ على تقديم شيء لبلد "كانت 30 سنة فقط قد مرّت حينها على استقلاله، وهي لا شيء في عمر الدول".
ومع بداية تدريسه الموسيقى، بدأنا بتدريس الموسيقى، حلّت العشرية السوداء، وفيها كان أستاذ الموسيقى، وكل المثقفين وإطارات الدولة مستهدفين… ومع ذلك، في قلب الأزمة سنة 1992، "أسست الدولة الجزائرية المعهد الوطني العالي للموسيقى الذي يترأسه بوعزارة اليوم، والأوركسترا السيمفونية الوطنية، والمدرسة العليا للفنون الجميلة، والمعهد العالي للفنون الدرامية، التي كانت موجودة من قبل وأعيد هيكلتها، وهذا دليل على نظرة استشرافية وتفكير في مستقبل الثقافة الجزائرية"، يقول بوعزارة مضيفا: "لقد استضفنا أكبر الموسيقيين العالميين في عز الأزمة، لذلك أجزم بأن الثقافة ساعدت على فك العزلة التي فرضت على الجزائر إبّان سنوات الإرهاب".
روسيا هي الرقم الأول في الموسيقى العالمية
"علاقتي بروسيا فنيا وأكاديميا تعود إلى الثمانينيات، عندما حصلت من وزارة الثقافة الجزائرية على منحة دراسات عليا هناك، وفي مجال لم نكن نحلم به، حيث فكرت الجزائر، سنوات قليلة بعد الاستقلال، في تكوين إطارات في مجال الموسيقى العالمية الراقي والرفيع، وروسيا، كما نعلم، تعتبر العالم الأول في هذا المجال بدون منازع"، يقول عبد القادر بوعزارة.
وأوضح أن الطلبة من جميع القارات، بما فيهم الجزائريين والعرب عموما، كانوا يقصدون "الاتحاد السوفييتي" حينذاك، وفي خضم هذا الزخم الثقافي، لم يكن الطالب يتوجه إلى موسكو فقط بل كذلك كييف ومينسك وأوديسا وسان بطرسبورغ، وحتى أذربيجان وأرمينيا… "كان الطلبة الجزائريون منتشرين في ذلك البلد الشاسع المتكون حينذاك من 15 جمهورية"، يقول بوعزارة، الذي يسترسل في سرد تجربته: "بصراحة، لم يسبق لي أن دخلت أوبرا بأتمّ ما للكلمة من معنى، وحدث ذلك سنة 1982 في أكبر مسارح العالم، البولشوي. لقد تطلّب الأمر 6 أشهر للحصول على تذكرة، وأذكر أن الأمر صار ممكنا بفضل أستاذي تشاسنيخ الذي كان نائب عميد كونسرفاتوار تشايكوفسكي بموسكو، وهناك حضرت أول أوبرا في حياتي".
الأوركسترا العربية… حلم ينتظر التجسيد
سألنا المايسترو بوعزارة عن رؤيته لمستوى الموسيقى الكلاسيكية على المستوى العربي، فأجاب بأن هنالك دولا لها تقاليد في هذا المجال، واستطاعت أن تحافظ على مستواها، ومن أقدم الأوركسترات العربية نجد أوكسترا القاهرة وأوركسترا بغداد. إلا أن بعض الدول العربية مرت بظروف صعبة وقد يكون هذا سبب التأخر في مجال الموسيقى الكلاسيكية.
وقال بوعزارة: "الاهتمام بهذا المجال غائب عموما على المستوى العربي، وهذا مشكل نطرحه على السادة وزراء الثقافة العربية…لقد كان طموحي وحلمي الأكبر هو أن أؤسّس أوركسترا عربية، ولكن بعد أن أصبحت الأوركسترا السيمفونية الوطنية الجزائرية تابعة لدار الأوبرا جعلني أترك الفكرة لغيري، وأركز على مهام التكوين بحكم منصبي الحالي"، وأكد محدّثنا بأن الرهان الأكبر والضمان الأوّل للمستقبل هو التكوين.
ووجه بوعزارة نداءً لوزراء الثقافة العرب، أن يقدموا برنامجا موحدا للحفاظ على هذا الإرث، لأن الموسيقى هي التي "توحد بين الأمم، وهي إحدى وسائل إصلاح الناس، والإنسان الذي يعزل نفسه عن الثقافة هو إنسان معادٍ للحضارة"، حسبما قال.
أجرى الحوار: مصطفى الكيلاني