سبوتنيك — عامر راشد
تسريبات صحفية من العاصمة العراقية تفيد بأن الحكومة العراقية بدأت بمراجعة جزئية لـ (القانون) المسمى بـ (اجتثاث البعث)، الذي أصدره الحاكم المدني الأميركي للعراق إبان الاحتلال، بول بريمر، عام 2003 بالقرار رقم 2، وأرفقه بإنشاء لجنة للعمل على تطبيقه وحل الجيش ومؤسسات الدولة العراقية، وتم ترسيمها في الدستور العراقي الجديد عام 2005، تحت مسمى "هيئة المساءلة والعدالة"، تعمل على محاربة فكر "حزب البعث" وإزالة مخلفاته، وإزاحة من كانوا ينتسبون للحزب من الوظائف الحكومية، وحرمانهم من المشاركة السياسية والنشاط في المجتمع المحلي وتجريمهم، وفقاً للمادة 7 من الدستور والمادة 111 من قانون العقوبات العراقي.
التسريبات أوضحت أن الحكومة العراقية أقرت أولياً بتخويل القضاء أن يبت بقضايا الذين يشملهم (قانون الاجتثاث)، وإخراج تطبيق القانون من حيز الصلاحيات المطلقة لـ"هيئة المساءلة والعدالة"، باعتبارها هيئة وطنية مستقلة مالياً وإدارياً، تقدم تقريراً فصلياً عن أعمالها لمجلس النواب. وإذا ما صحت التسريبات، سيعني ذلك مستقبلاً، إدخال تعديلات كبيرة على مهام الهيئة وصلاحياتها، بما يواكب ما ستذهب إليه الحكومة ومجلس النواب من مراجعة لـ (قانون الاجتثاث)، وهي كما تمت الإشارة إليه ستكون جزئية ومحدودة في المدى المنظور، وستخضع لعملية تجاذب بين مؤيدين ومعارضين للمراجعة والتعديل.
ومن القضايا التي ستلقي بظلالها، في شكل أو آخر، على أجندات الحوار بين أطراف الصراع الليبي مراجعة (قانون العزل السياسي)، نظراً للنتائج السلبية المترتبة على تطبيقه، وإخلاله بالتوازنات السياسية لصالح الجماعات المسلحة.
تونس اتخذت مساراً آخر مختلفاً تماماً، بتصويت كتلة "حركة النهضة"، الكتلة الأكبر في "المجلس التأسيسي" السابق، ضد بند العزل السياسي من القانون الانتخابي، في أيار/مايو 2014، وأطلق زعيم "حركة النهضة" راشد الغنوشي مقولته الشهيرة، تفسيراً لتصويت كتلته: "فلتسقطهم صناديق الاقتراع". وقبلت "النهضة" بدفع ثمن موقفها بالتحوُّل إلى المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية، التي فاز فيها ائتلاف "نداء تونس" بالمرتبة الأولى، برئاسة الباجي قايد السبسي، الذي فاز أيضاً في الانتخابات الرئاسية في مواجهة المنصف المرزوقي، أول رئيس لتونس بعد إسقاط بن علي.
في العراق يؤكد معارضو (قانون اجتثاث البعث) أنه استخدم لمحاربة مكون اجتماعي بعينه، هو المكون السني، لم تسلم منه حتى قيادات من الصف الأول ومنخرطة في العملية السياسية، وذلك على خلفية الصراعات السياسة ذات الطابع الطائفي، علماً بأن ألف باء نجاح المصالحة الوطنية يتعارض مع المفاهيم والممارسات (الاجتثاثية)، بقطع النظر عن الذرائع التي تساق لتبريرها. واعترف بريمر نفسه، لاحقاً، في حوار مع صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، بأن (القانون) المذكور، وحل الجيش العراقي، ساهم بزعزعة الأمن في البلاد. وأخيراً بدأت بوادر اعتراف خجول للحكومة العراقية بمساوئ (الاجتثاث).
وفي ليبيا ساهم (قانون العزل السياسي) بخسارة المئات من الخبرات الضرورية لنجاح واستقرار العملية السياسية، والمصالحة الوطنية، في ليبيا، وأدت تطبيقاته إلى اتهام إثنيات وأقليات عرقية، مثل التبو والطوارق، بأنهم من أتباع النظام السابق، وتقود تلك الاتهامات إلى عمليات تخوين على أساس فرز عرقي يغذي حساسيات قبلية قديمة، يضفى عليها في إطار الصراع طموحات سياسية انفصالية كحل واقعي وعملي للخلاص من التهميش والإقصاء الواقع عليهم.
والتراجع عن (قانوني الاجتثاث والعزل السياسي) تصويب لخطأ شنيع، حتى لو جاء متأخراً، وكلما كانت المراجعة أعمق وأسرع وأكثر جرأة وشفافية ستكون نتائجها أفضل.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)