عامر راشد
جون كيري أسوأ وزير خارجية في تاريخ الدبلوماسية الأميركية منذ خمسين عاماً، هذا ما أظهره استطلاع للرأي أجرته مؤخراً مجلة "فورين بوليسي"، وشمل 660 من الأكاديميين الأميركيين المختصين بالعلاقات الدولية، أجابوا على سؤال من هو وزير الخارجية الأميركي الأكثر نشاطاً خلال الخمسين سنة الأخيرة؟.
وجاء كيري في الترتيب الأدنى بلا منازع، بحصوله على 0.3% من الأصوات، أي ما يعادل صوتين فقط، بينما تصدر القائمة وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر بثلث إجمالي أصوات من شاركوا في الاستطلاع، وتلته في المركز الثاني مادلين أولبرايت بنسبة 20%.
نتيجة تبدو منطقية بالقياس إلى ما يلاحظ من تدهور للسياسات الخارجية الأميركية، وتراجع سطوة واشنطن، وتخبط إدارة أوباما وعدم قدرتها على التأثير، وبروز تحديات عالمية فشلت الولايات المتحدة في مواجهتها من موقع مسؤوليتها كدولة كبرى، ولكن تحميل مسؤولية التراجع لشخص يمثل الدبلوماسية الأميركية هروب من إعطاء تفسير موضوعي، فأفول سياسة واشنطن، وتحوِّل دبلوماسيتها إلى بطة سوداء وعرجاء، بفعل رعونتها واستعداء الشعوب وتنكرها لحقوقها، وإثارة النزاعات الإقليمية والدولية، خدمة لاستراتيجيات الهيمنة الأميركية.
الرئيس أوباما نفسه ليس بأفضل حالاً في استطلاعات الرأي، فشعبيته انخفضت جداً في الأشهر القليلة الماضية، بتراجعها إلى أقل من 44%، مع قابلية للمزيد من التراجع، وفي استطلاع أجرته "وول ستريت جورنال" و "ان بي سي نيوز"، عبَّر أكثر من ثلثي المستطلعة آرائهم عن أملهم في أن يغير أوباما من نهجه السياسي، الذي يوصف بالتردد والضعف تجاه الملفات الخارجية.
هنا يقع الشارع الأميركي تحت وهم أن أسلوب الرئيس الخاطئ في الإدارة يقف وراء تراجع قوة تأثير الولايات المتحدة، خاصة أن المقصود استمرار تفردها وفرض ما تريده، وهو ما أشاعته الإدارات في واشنطن بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، واستشراء نظريات القطبية الأحادية الأميركية، وأسوأ من جسّدها الرئيس السابق جورج بوش الابن، كمنفذ لإيديولوجية "المحافظين الجدد".
فضعف الرئيس أوباما وإدارته نتاج ضعف الولايات المتحدة، وليس العكس بالضرورة، لتزايد قوة ونفوذ الدول الكبرى الأخرى، وبروز قوى إقليمية وازنة في المعادلة الدولية، ويفسر المؤرخ رومان هورات تراجع شعبية أوباما بالقول: "ما يحصل لأوباما ليس مستغرباً، بل هو ظاهرة تقليدية تسمى فترة البطة العرجاء". ويضيف هورات المتخصص بالتاريخ الأميركي: "يجب تنسيب هذه الوضعية، فنحن أمام مشكلة هيكلية تتعلق بضخامة المهام وضعف السلطة التنفيذية، ولا تتعلق بشخصية الرئيس، وربما سيذكر التاريخ بعد 20 سنة أن أوباما لم يكن سيئاً".
يأخذ صقور الحزب الجمهوري على الرئيس أوباما، ويشاطرهم في الرأي قادة داخل الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه أوباما، بأنه فشل بهزيمة طالبان في أفغانستان، وأخرج القوات الأميركية من العراق دون أن يتحقق الاستقرار فيه، ليضطر إلى العودة إليه بأعداد محدودة، إثر سيطرة تنظيم (داعش) على أكثر من ثلث مساحة البلاد. كما يؤخذ عليه ضعفه في معالجة الملف النووي الإيراني، طبعاً من وجهة نظر منتقديه، والتخبط بملف الصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، وملف الاحتجاجات الشعبية العربية المعارضة، التي أطلقت شرارتها الثورة على نظام زين العابدين بن علي في تونس.
ويمكن إضافة العديد من الأمثلة الأخرى على ضعف وتردد أوباما وإدارته، وإخفاق الدبلوماسية الأميركية بقيادة جون كيري، إلا أن الأمثلة الواردة، أو التي يمكن ضمها إليها، ما يستخلص منها أن الولايات المتحدة هي التي أصبحت ضعيفة، وسياستها الخارجية في الحضيض، لأنها هي من صنعت الأزمات في أفغانستان والعراق، وفي العديد من البلدان الأخرى، وفقدت مصداقيتها كدولة كبرى جراء أوهام القطبية الأحادية، واستخدام القوة العسكرية خارج إطار القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.
وحظ أوباما السيء أنه دخل البيت الأبيض في وقت باتت الولايات المتحدة على موعد مع دفع أثمان رعونتها السياسية، على امتداد عقود طويلة، وأي رئيس أو وزير خارجية أميركي قادم مرشح لأن يكون أقل شعبية من أوباما وكيري، إلا إذا تغيرت نظرة الأميركيين إلى بلدهم والدور العالمي المطلوب منه، باتجاه إعمال العقل وتوخي الموضوعية ومغادرة وهم فرض الهيمنة والاستفراد.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)